حياتنا في هذا الكون عبارةٌ عن رحلة تبدأ من أول يومٍ لنا في هذه الكرة الأرضية وتنتهي بمغادرتنا لها . وهذا أمرٌ بديهي لا ينكره أحدٌ البتة . ولكنَّ الكثير من الناس يقضي هذه الرحلة وكاهله مثقلٌ بالهموم والمخاوف ، الأمر الذي يشغله عن النظر إلى نافذة قطار حياته والاستمتاع بروعة المنظر وسعة الأفق . أعلمُ أنَّ البعض سيقول متسائلاً : وهل هذه الحياة تخلو من الصعوبات التي تكدرنا ؟
فأجيب : بالتأكيد هذه الحياة لا تخلو من الصعوبات ولا من الهموم ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) . و لكنَّ هذه الحقيقة ليست محور حديثنا . ولكنَّ حديثنا يدور حول كيفية التعاطي مع هذه الحقيقة ، وكيف أنَّ الكثير منَّا يقضي معظم حياته حاملاً في ذهنه الكثير من أحداث الماضي والتي انتهت منذ زمنٍ بعيد أو مخاوف المستقبل والتي في الغالب لا تقع ، لأنَّ كثيراً منا نخاف منه لا يقع ، فأخذتْ حيزاً كبيراً من جهده وتفكيره وطاقته . في حين أنه لو ركز تفكيره على لحظته الحاضرة ، التي بين يديه ، والتي سيستطيع من خلالها ، بعد توفيق الله عزَّ وجل ، ليس فقط تغيير حاضره فحسب بل وحتى صناعة مستقبله !
وسأوضح نقطتي هذه بقصة المحاضر مع طلبته . ففي يومٍ من الأيام كان محاضرٌ يلقي محاضرةً عن التحكم بضغوط وأعباء الحياة لطلابه ، فرفع كأساً من الماء وسأل المستمعين :
ما هو في اعتقادكم وزن هذا الكأس من الماء ؟
تراوحت إجابات الطلاب بين ٥٠ جرام إلى ٥٠٠ جرام .
فأجاب المحاضر : أياً تكن الإجابة فالوزن يعتبر خفيفاً أليس كذلك ؟
أجاب جميع الحاضرين : نعم .
ثم تابع حديثه قائلاً لو رفعتُ الكأس لمدة دقيقة لن يحدث شيء أليس كذلك ؟
أجاب الطلاب : نعم
لكن ماذا سيحدث لو حملته لمدة ساعة ؟
أجاب الطلاب : ستشعر بألم بسيط .
ثم سألهم قائلاً : ماذا سيحدث لو حملتُ الكأس لمدة يومٍ كامل ؟
فكانت الإجابة أنه سيشعر بإعياءٍ شديدٍ وقد يستدعون سيارة الإسعاف .
ثمَّ عقَّبَ المدربُ على ذلك قائلاً : الكأس له نفسُ الوزن تماماً ولكنْ كلمَّا طالتْ مدة حملي له كلما زاد وزنه وبالتالي سأشعر بالإعياء أكثر !
من خلال هذه القصة نتعلم أننا لو حملنا مشاكلنا وأعباء حياتنا في جميع الأوقات فسيأتي الوقت الذي لن نستطيع فيه المواصلة ، فالأعباء سيتزايد ثقلها . ومع مرور الأيام سنصل إلى نقطةٍ تنهار فيها قوانا فلا نستطيع المواصلة .
يتسائل الكثير من الناس عن كيفية الخروج من هذا المأزق ، فالحياة جُبِلتْ على الصعوبات ونحن لا نتحمل الاستمرار وهذه الصعوبات تثقل كاهلنا ؟
يكمن الحل بكل بساطة ومن خلال قصة المدرب مع طلابه أن نضع الكأس جانباً ونرتاح قليلاً !
يجب علينا بين الحين والآخر أن نضع أعبائنا جانباً لنتمكن من استعادة قوانا ومواصلة رحلتنا بكل همة ونشاط و نسير إلى أبعد مدى ونستمتع بحياتنا ونعيشها .
تكمن مشكلة كثيرٍ من الناس في أنهم أهدروا طاقاتهم في حمل همومٍ ومشاكل حدثتْ منذ زمنٍ بعيدٍ ، ولكنهم أثقلوا أرواحهم بحملها معهم إلى الحاضر ، فأفقدهم ذلك الاستمتاع باللحظة الحاضرة .
ضع الكأس جانباً ، يا صديقي ، واستمتع بروعة المنظر أمامك ، وانعمْ بدفء أشعة الشمس الذهبية التي تملأ ذلك الأفق الرحب !