الإبداع والتميز مطلبٌ وهدفٌ نسعى إليه وهذا حقٌ مشروع ، ولكن الإشكالية تكمن في أنَّ الكثير من الناس يعتقد أن الأفكار الإبداعية والخارجة عن المألوف معقدةٌ وتحتاج إلى عبقرية في التفكير . وهذا الإعتقاد بحد ذاته ، من وجهة نظرٍ شخصية قاتلٌ للإبداع أو محبطٌ لما يُسَمُّونَه التفكير خارج الصندوق . و إذا ما حاولنا تبسيط مفهوم الفكرة الإبداعية لوجدنا أنها فكرة بسيطة تحدث تغييراً أو أثراً إيجابياً كبيراً ولكنْ لم يلتفتْ لها أحد !
وإذا ما تأملنا في المخترعات بشكل عام لوجدنا أنَّ الفكرة خلفها بسيطةٌ جداً إلى درجة أنه لم يلتفت لها أحد . كما أنَّ حصر الإبداع في المخترعات والأجهزة الحديثة يُعَدُّ تضييقاً لمفهومه الواسع والذي يشمل كل مجالات الحياة !
و التواصل مع الآخرين بشكل عام ومع من نحب بشكل خاص من الأمور التي تستدعي أن نكون مبدعين فيها ، وخير مثالٍ في هذا المقام قصة عامل محطة البنزين والذي استخدم فكرةً بسيطة لا تخطر ببال ولكنه من خلالها أحداث فارقاً هائلاً لدى عملاء المحطة التي يعمل فيها ! أترككم مع صديقنا عامل المحطة !
كان هناك عامل فى محطة بنزين يثير دوما اعجاب كل عملائه . فكان العامل دوما يتذكر اسم كل عميل ويناديه به بمجرد دخوله إلى المحطة . وكان العديد من الناس يعتقدون أن هذا الشاب يملك ذاكرةً مذهلةً . ولكن ما كان يملكه هذا الشاب بالفعل هو الرغبة فى خدمة العملاء والميل الى المبادرة !
فعند دخول أي عميل جديد إلى المحطة , كان العامل يسأله عن اسمه ثم يكتب هذا الاسم على غطاء خزان البنزين فى سيارته !
وفى المرات التالية , تصبح اللمسة الشخصية وتذكر اسم العميل أسهل كثيرا !
نعم !
لكلٍ منَّا بصمته الإبداعية الخاصة به ، والتي من خلالها نستطيع أنْ نرسم الابتسامة ونصنع السعادة في نفوس من حولنا !
وكما ذكرتُ سابقاً الأمر أبسط مما نتخيل ، فكل ما نحتاجه هو الرغبة الداخلية في أن يكون لنا بصمةٌ وأثر فيمن حولنا ، إضافةً إلى ذلك نحتاج إلى المبادرة .
أذكر أنَّنِي سافرت إلى مدينةٍ أخرى في رحلة عمل . وبعد أنْ أنهيتُ إجراءات المطار ، وركبتُ سيارة الأجرة . استقبلني السائق بابتسامةٍ ، ورحب بي . وعندما ركبتُ السيارة لفتتْ انتباهي لافتةٌ وضعها السائق ذكر فيها عبارات مثل :
توجد مياه شرب في الأمام وفِي الخلف
توجد شبكة إنترنت مجانية
يوجد سلك شاحن للجوال
إذا أردتَ أي خدمة ما عليك إلا طلبها مني
ولكن العبارات التي بالفعل لفتتْ انتباهي وأشعرتني أنَّ الدنيا لازلتْ بخير العبارات التالية :
إذا كان مشوارك للمستشفى للعلاج أو للمراجعة أو لزيارة مريض فإنَّ مشوارك على حسابي ( مجاني )
إخواننا ذوي الاحتياجات الخاصة مشوارك على حسابي ( مجاناً )
رغم أني ركبت سيارات أجرة كثيرة أثناء سفري ، إلاَّ أنَّ تجربتي مع هذا السائق الخلوق المبدع بكل تفاصيلها الصغيرة لا تُنسى رغم مرور السنين !
هذه الحياة عبارةٌ عن لوحةٍ بيضاء ، ولكل منَّا لونه المميز الخاص به . فما أجمل أنْ نرسم جميعاً لوحةً إبداعيةً تسر الناظرين ، وتصنع يوم من حولنا . وهذا الأمر لا يقتصر على الصعيد المهني أو العملي فحسب ، ولكنه يشمل كل نواحي الحياة سواءاً العائلية أو الشخصية أو حتى في علاقاتنا بشكل عام .
ومن الأفكار البسيطة التي جربتُها وصنعتْ فارقاً كبيراً هو سؤال الموظف ( المحاسب ) عند التسوق كيف حالك اليوم ؟ / تبدو سعيداً / ابتسامتك جميلة وغيرها من العبارات الإيجابية التي لا حصر لها !
صدقوني ومن خلال التجربة لن تتخيلوا كمية السعادة التي شعروا بها وشعرتُ بها أنا أيضاً ! جربوها فلن تخسروا شيئاً !
وحذارِ من أن نقلل من قدرتنا على ذلك لأنَّ هذا من السلبية التي تحرمنا من كثيرٍ من الأمور الجميلة التي تساعدنا أنْ نحيا هذه الحياة لا أنْ نكون على قيدها !
فإذا خطر في بالنا مثل تلك الأفكار التي تجعلنا نحجمُ عن مثل تلك السلوكيات الإيجابية فلنسأل نفسنا هذا السؤال :
من قال أنه ليس بإمكانك أن تحدث فارقاً ؟
فكر جيداً وستجد أن هنالك الكثير بإمكانك عمله لتصنع الفارق ؟
وفِي الختام يا صديقي اختم مقالي بطرح هذا التساؤل : هل جربت شعور السعادة الذي تشعر به عندما ترسم الفرحة في قلوب الآخرين ؟
إن لم تكن قد فعلت فسارع بذلك الْيَوْمَ فهو شعور لا يقدر بثمن !