كان الشعراء منذ القدم يستشهدون بشخصيات وأبطال وأحداث معاصرة أو تاريخية لتوظيفها في شعرهم، فقد وظف الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلّقته شخصيات وجيهة عاصرها، ومنها قوله:
فلو شاء ربي كنتُ قيس بن خالدٍ
ولو شاء ربي كنتُ عمرو بن مرثدِ
فأصبحتُ ذا مالٍ كثيرٍ وزارني
بنونَ كرامٌ سادةٌ لمسوّدِ
(قيس بن خالد) من بني شيبان ويعرف بذي الجدّين الشيباني، و(عمرو بن مرثد) سيّد بني قيس بن ثعلبة، فلما بلغه هذا وجه إلى طرفة فقال له: أما البنون فإن الله يعطيك، وأما المال فسنجعلك فيه أسوتنا، فدعا ولده وكانوا سبعة فأمر كل واحد فدفع إلى طرفة عشراً من الإبل، ثم أمر ثلاثة من بني بنيه فدفع كل واحد منهم إلى طرفة عشراً من الإبل، وكان الثلاثة الذين دفعوا إلى طرفة يفتخرون على من لم يدفع، ويقولون: جعلنا جدّنا بمنزلة بنيه، فانصرف بمئة ناقة.
كما ذكر المتنبي أسماء الأنبياء عليهم السلام والشخصيات التاريخية في عدد من قصائده ومنه قوله:
ملاعبُ جنّةٍ لو سار فيها
سليمانٌ لسار بترجمانِ
وفي الشعر النبطي وظف الشعراء النبطيون الشخصيات التاريخية مثل شخصية عنترة بن شدّاد العبسي وأبو زيد الهلالي حيث اشتهرا بالفروسية وأكثر الشعراء من ذكرهم، فقد قال محمد العبدالله العوني في مدح الأمير سعدون السعدون (أبو ثامر):
له هده ما قبله أبا زيد هدها
ولا عنتر المشهور قد قيل نالها
وقال الأمير محمد الأحمد السديري في ردّه على قصيدة عبدالله السلّوم في إشارة إلى النعمة التي غمرت (المعتمد بن عبّاد) حاكم إشبيلية في حياته المعروفة:
يا من بيوته بالفضيلة رسمها
اسلك دروب المجد بديار الأمجاد
الرجل غارات الرجل يقتحمها
وبالعزم هو والحزم ياصل للأبعاد
أرجي يابن سلوم تشرف قممها
وقبلك ضحك وجه الدهر لابن عبّاد
كما أُشير إلى (يحيى بن طالب) الحنفي من أهل اليمامة ومسقط رأسه قرقرى (ضرما الآن) حينما غادرها قائلاً:
أحقاً عباد الله أن لست ناظراً
إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر
فقال النقاد: لو قال أعلامها الخضر لكانت أجود، فرد عليهم ناقد: لو جربتم حب الأوطان لعرفتم أن الغبار والحدائق يستويان! وفي ذلك أشار محمد بن ناصر السيّاري:
سلام يا دار نعمنا بربعها
دار لها تاريخ في مسحب الوادي
غربيها للوشم هذي حدودها
وشرقيها ديراب وأقمار الأرصادي
هاك الرجال اللي عزيز جنابهم
ومن جاد جدّه فاعرف إن الولد جادي
كما حبها يحيى بن طالب نحبها
وأشم ريح ترابها عنبر وكادي
قد قال ابن طالب بيوتٍ غريبة
في ماضي التاريخ غنى بها الحادي
ألا ليت شيبانٍ بالأجداث شاهدوا
شامخ مبانيها كما شمّ الأطوادي
كما قال عبدالله بن صقيه مستحضراً فروسية (الزير سالم):
ولّي حياةٍ ذلّت الحرّ ولّي
غدى بها الثعلب مثل سالم الزير!
وفي التسعينات ومطلع الألفية تغيّر توظيف الشعراء للشخصيات التاريخية، وحتى لو كانت فإنهم يستحضرونها عن طريق الدراما، كما أنهم استحضروا الحاضر مثلما فعل طرفة بن العبد، ولكن عن طريق توظيف شخصيات أو لقطات حصلت في الدراما العربية بل وصل بهم الأمر إلى توظيف لقطات من الرسوم المتحرّكة، فلنقرأ قول عبدالمحسن بن سعيد واستحضاره الفيلم الكرتوني الكلاسيكي Tom & The Two Mouseketeers ولقطة (القط توم) الشهيرة في ابتلاعه المفتاح:
تجين نقفل أبواب الفراق ونبلع المفتاح
بعد ما نسترد اللي من أحلام الوصل فاتك
كما أنه يستحضر لقطة كثيراً ما تتكرر في الرسوم المتحركة مثل قوله:
طفلةٍ كفّرت للنرجس ذنوبه
شمّته وانثنى عوده يداعبها
كما استحضر صالح أحمد خضير المسلسل (وضحا وابن عجلان) الذي أنتج العام 1975م من بطولة يوسف شعبان وسلوى سعيد وكتبه د. أحمد عويدي العبادي، وقد كان من أوائل المسلسلات العربية التي تصور بالألوان، وأول المسلسلات البدوية التي حظيت بنسبة مشاهدة كبيرة في العالم العربي، حيث يتناول المسلسل قصة حب من البادية بين الشيخ الفارس والشاعر (ابن عجلان) والفارسة (وضحا):
ما كان مفروض تخيّب ظننا فيكم
مثلت فلم نوف وضحا وانجرح عجلان
كما وظّف حمد السعيد شخصية (الحاج متولّي) في المسلسل الشهير (عائلة الحاج متولي) العام 2001م، ويناقش المسلسل تعدد الزوجات، من بطولة نور الشريف وفادية عبدالغني وماجدة زكي وغادة عبدالرازق وسمية الخشاب
والله ما يذبح الحرمة بها الديره
إلا ثلاثٍ ثباتٍ ما يتخيلي
كبر العمر وانشدوني وأيضا الغيره
وإنك تسوي سوات الحاج متولي
أخذو عليهن حريم وعلّها خيره
شوفوه بالتمثلية حيل متسلي
كما وظّف واستحضر ناصر الفراعنة كثير من شخصيات وأحداث العصر القديم والحديث، في قصيدته الشهيرة (ناقتي يا ناقتي) لكنني سوف أقف عند بيت لم أجد من شارحي القصيدة من شرحه، كما أنه يدخل في موضوعنا عن توظيف فن الدراما في الشعر النبطي.. يقول الفراعنة:
ثورة راحوا سببها بتوع الاتوبيس
وش نبي فيها وهي ما تهز إلا الغروس
(إحنا بتوع الأتوبيس) هو فيلم مصري أنتج العام 1979م، وعن قصة حقيقية في كتاب (حوار خلف الأسوار) للكاتب الصحفي جلال الدين الحمامصي، وبطولة عادل إمام وعبدالمنعم مدبولي وسيناريو فاروق صبري وإخراج حسين كمال.