دخل موسم الحج العظيم لعامنا هذا إلى مكة المكرمة مهد الإسلام ،حيث يلتقي الحجاج من جميع الألسنة والأجناس لأداء ركن الإسلام الخامس مرتدين ثياب بيضاء بسيطة في عرض مثير للإعجاب لاستخفاف الإسلام بالانقسامات العرقية والقومية ،وسائرين على نهج نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بأن “أكرمكم عند الله أتقاكم “ويجتمع ما يقارب مليوني حاج مما يجعله أكبر تجمع مؤقت في العالم ،فما من الحكومة السعودية ومنذ النداء الذي وجهه المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من مكة المكرمة عام 1334هـ الموافق لعام 1925م :” لما كان من أجلّ مقاصدنا خدمة الإسلام والعالم الإسلامي ،وهو المبدأ الذي اتخذناه عند الشروع في هذه القضية العظيمة الشأن ، رأيت الواجب يدعوني لأبين للمسلمين عامة ما يأتي :أننا نرحب ونبتهج بقدوم حجاج بيت الله الحرام من المسلمين كافة في موسم هذه السنة، و نتكفل ـ بحول الله ـ بتأمين راحتهم و المحافظة على حقوقهم وتسهيل أمر سفرهم إلى مكة من أحد الموانئ التي ينزلون إليها وهي رابغ أو الليث أو القنفذة ، وقد أحكم فيها النظام واستتب الأمن استتباباً تاماً ،و سنتخذ من التدابير في هذه المراكز جميع الوسائل التي تكفل تأمين الحجاج إن شاء الله تعالى “.
وتوالت الإنجازات والخدمات التي وضعت لخدمة الحجاج وتوفير الطمأنينة والراحة فمن لجنة إدارة الحج التي عين الأمير فيصل بن عبد العزيز رئيسا لها عام 1345هـ إلى إنشاء وزارة الحج والاوقاف عام 1381هـ والتي أنجزت العديد من المشاريع و البرامج التطويرية لخدمة حجاج بيت الله الحرام ؛ وفي عام 1437هـ أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيزـ حفظه الله ـ أمرا ًملكياً بتعديل اسم الوزارة إلى وزارة الحج والعمرة حيث تتولى مسؤولية تقديم الخدمات اللازمة للحجاج و أنشأت لجان وهيئات عليا على مستوى عالي من الكفاءة لخدمة ضيوف الرحمن و بلغ الاهتمام قمته من خلال رؤية المملكة 2030 التي هندسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ وفقه الله ـ و ما تضمنته من برامج ومبادرات واضعة نصب عينيها هدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين لأداء شعيرتي الحج والعمرة وإبراز الصورة المشرفة للمملكة في خدمة الحرمين .
فاستحداث المسار الالكتروني الموحد للحج والعمرة الذي من خلاله ربطت وزارة الحج 52 نظاما مع 30جهة حكومية من داخل وخارج المملكة لإنجاز تعاملات تجارية وخدمية ، وقد تم إنشاء مركز عمليات النقل الترددي لرفع مستوى السلامة المرورية ولزيادة انسيابية نقل الحجاج، وأسس مركز التفويج وغرفة المتابعة والتحكم لرفع مستوى الأمن العام ولسرعة إنهاء إجراءات تفويج الحجاج بشكل منظم وهي من أهم الخدمات التي لقيت تطوراً مشهوداً في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ ،وتأمين الغذاء الآمن عبر فتح مجال للمصانع الوطنية لدخول تصنيع الأغذية الآمنة ،وكان للمنظومة الذكية التي وضعت برعاية وزارة الحج و بتوجيه حكيم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ وفقه الله ـ التي بموجبها بات الحاج يحمل بطاقة واحدة فيها جميع بياناته وغدا بالإمكان التنبؤ بأماكن الاختناق و تسريع عمليات اتخاذ القرار و ارشاد التائهين باستخدام بياناتهم.
وبعد أن بينت وزارة الحج ضوابط موسم عام 1443هـ والذي ينص على رفع عدد الحجاج الى مليون حاج من داخل وخارج المملكة وذلك في أول تجمع هائل بعد جائحة كورونا التي خفضت خلالها المملكة استقبال الحجاج بدرجة كبيرة لتعود موضحة أنها ستستقبل الحجاج من الذين لم يسبق لهم الحج أبداً ومن وجهة نظري كحاج سابق أحث على ضرورة تخطيط الحاج لرحلته من أخذ التطعيمات الموسمية ولقاح كورونا إلى الحفاظ على السلامة بارتداء الكمامة والعناية بلياقته البدنية لتساعده على أداء الحج؛ وقد أكدت الرؤية على تسخير المملكة لطاقاتها و إمكاناتها لخدمة ضيوف الرحمن حيث ورد فيه ما نصه “تبوأت المملكة العربية السعودية مكانة مرموقة في العالم و أصبحت عنوانا لكرم الضيافة و حسن الوفادة و استطاعت أن تحقق مكانة مميزة في قلوب ضيوف الرحمن و المسلمين في كل مكان وقد شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين و حجاج بيت الله الحرام و المعتمرين ، وفي هذا السياق قمنا مؤخرا بتنفيذ توسعة ثالثة للحرمين الشريفين، كما أطلقنا مشروع ” مترو مكة المكرمة” استكمالاً لمشروع قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين، إضافة إلى ذلك عززنا منظومة شبكة النقل من أجل تسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتمكين ضيوف الرحمن من أداء فريضة الحج والعمرة والزيارة بكل يسر وسهولة ،ونحن لا ندخر وسعاً في بذل كل جهد وتوفير كل ما يلبي احتياجات ضيوف الرحمن ويحقق تطلعاتهم، ونؤمن بأن علينا أن نضاعف جهودنا لنبقى رمزاً لكرم الضيافة وحسن الوفادة.”
بقلم: حفيظة البكري غنامة