يأتي موسم الحج في كل عام ، و تحتضن المملكة العربية السعودية أكثر من مليوني حاج من الداخل و الخارج ، مهيئة لهم سبل الراحة ، و موفرة لهم الأمن و السلامة و كافة التسهيلات في أداء مناسكهم ..
و من أعظم هذه التسهيلات التي أنهت العشوائيات و حسمت المخالفات فيما يختص بنسك الهدي ، هو : مشروع الإفادة من الهدي و الأضاحي ، ذلك المشروع ( المفخرة ) التابع لإدارة و تنفيذ البنك الإسلامي للتنمية ، و التي أكرمت فيه المملكة هذا النسك .
نشأ هذا المشروع في حج عام ١٤٠٣ هـ و يعمل على تنظيم شعيرة ذبح الهدي و الأضاحي لهذا العدد الهائل من الوفود ، بعد أن كانت لا تخلو من الفوضى و من سماسرة البيع و التضليل .. حيث يتكفل المشروع باختيار الأنعام للحجاج و التأكد من سلامتها طبيا و شرعيا و ثم ذبحها و الاستفادة من لحومها للمحتاجين في داخل المملكة و خارجها.. و كذلك يختص بالفدية و الصدقة و العقيقة
و لعلنا نتناول هذا المشروع من زوايا مقربة و لكن تحديدا بما يختص بالهدي في موسم الحج، لتشعر معي صديقي القاريء بعد الاعتزاز بهذا البلد المبارك حجم المسؤولية الكبرى في هذا المشروع و الجهد الجبار المبذول فيه ..
يبدأ عمل هذا المشروع في الحج منذ استقطاب و تجهيز العمالة الموسمية من جزارين و أطباء بيطريين و لجان شرعية و مشرفين على نقاط الذبح و الحظائر و عمال النظافة و مشرفي النقل و التشغيل .. بما يقارب 40 ألف يد عاملة و في كوادر متكاملة والذين قد رشحوا لهذا العمل سواء بالطلب أو التقديم عن طريق البنك .. ليتم تهيئتهم و تدريبهم على العمل المناط بهم .
ثم تبدأ المهمة الفعلية من بعد صلاة عيد ( يوم النحر ) في ماراثون حقيقي وغير مسبوق و طاقة استيعابية لما يقارب المليون و نصف رأس من الأغنام و عشرة ألآف رأس من الجمال و الأبقار، في تنسيقات جبارة ، و عمل متواصل و لمدة أربع و عشرين ساعة بحيث يتم ذبح آخر أضحية قبل غروب آخر أيام التشريق .
و لنقترب أكثر من داخل هذا المشروع العظيم لنستشعر معا حجم ذلك الجهد وتلك الضخامة في العمليات، والتي تشبه خلية النحل في العمل الدؤوب و الإنجاز .. تجهز نقاط الذبح تجهيزا كاملا حيث يوجد نقاط ذبح مختصة بالأغنام و نقاط بالجمال و الأبقار .. ثم تدخل البهيمة من الحظيرة و يتم الإشراف عليها من قبل المندوب الشرعي ليرى خلوها من العيوب ثم يجيزها، بعد أن خضعت لإشراف الطبيب البيطري قبلها، الجزار ينتظر دخولها مع تذكيره في كل مرة أن يسمي الله على ذبيحته و أن يراعي بها الطريقة الإسلامية ..
جهود مشرفي بنك التنمية الحاضرة في مطابقة أعداد الذبائح الهائلة مع ما ورد للبنك من طلبات و المتابعة بالمرور على فترات متقاربة ، تبديل المناوبات، الدماء وتصريفها، ومخلفات البهائم من جلود و أحشاء ..و التي يبذل بها عمال النظافة أقصى الجهود .. ثم تبدأ الأعمال الآلية من أعمال ما بعد الذبح من سلخ وتقطيع و تبريد و تعقيم وحفظ ونقل و توزيع .. و الكثير الكثير من الجهود و الاشتراطات الصحية ، عمل دقيق متسارع لعامل الوقت .. و ذبح أكثر من مليون رأس من الأنعام في وقت قياسي يقارب الثمانين ساعة فقط ، و تحقيق المعنى الحقيقي لكلمة مجازر ..
هل استشعرت معي ما يحدث ؟!
الحقيقة أني شطحت بفكري قليلا .. و أنا أتذكر عندما نقوم بذبح أضحيتين أو ثلاثا في البيت و كيف تحصل لنا أزمة و مناورات من تنسيق و تقطيع و تنظيف … الخ ومع أن هذا .. لا يقارن بذاك ، إنما يجب أن نستدعي عظمة هذا العمل و أن نعطيه حقه من التأمل و الدعاء لمن قام عليه حيث أنه بالأساس مشروع خيري لا ربحي ،
بقي أن نقول أن هذا المشروع المبارك و الذي يتبنى بشكل رئيسي أداء نسك الهدي نيابة عن حجاج بيت الله الحرام و أعمال أخرى على مدى العام في مكة المكرمة و على مساحة مليون متر مربع ، و بالتعاون مع عشرة جهات حكومية ذات علاقة مباشرة بالمشروع منها وزارة الداخلية، والمالية
، ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج و العمرة ، وبدعم مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز و ولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله ، يستفيد من مخرجاته فقراء مكة و ثم محتاجو الداخل بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية و ما يفيض يوزع على أكثر من 25 دولة خارج المملكة .
يحق إذن لمن يعيش هنا مطمئنا و يؤدي شعائره مطمئنا ،أن يفخر بهذه ( المجزرة ) فهي من نعم الله علينا وعلى المسلمين في أنحاء الأرض ..
و أما بنعمة ربك فحدث
بسمه علي القاضي