• 11:50:53am

أحدث الموضوعات

هل أجدُ كرسيّا؟

تعليقات : 0

أصداء الخليج
هاجر عبدالعزيز التميمي

مع أول تنهيدة طويلة تصدر منك على منصّة حفل التخرج، مع ابتسامتك للكاميرا، مع أول درجةٍ تنزل بها عائداً نحو مقعدك، يطرقُ حلمك رأسك مذكّراً أنك أخيراً انتهيت، وأخيراً..ستتوظف! .

الأحلام التي شُيّدت خِلال تلك الأعوام الدراسية كلّها راحت تتلاشى واحدةً بعد أخرى، مكانك الذي تمنّيت أن تجد فيه نفسك لم تجده، الوظيفة التي شاهدتها في نومك كثيراً كانت بعيدة حدّاً لم تتخيله، وظللتَ تقضي صباحاتك وأنتَ تبعث بسيرتكَ في كلّ الإتجاهات، وتطرُق كلّ باب، وتقفُ عند كلّ مكتب، ولم يُجب عليك أحد.

لكنكَ لست وحدك، هذا مايُطمئنك، ومايُبكيك في الوقت ذاته، جميعُكم تركضون في تلك الطُرق، وتفعلون الشيء نفسه، جميعكم تمنّيتم كثيراً، وحلِمتم طويلاً، وحين خرجتم لتصلوا إلى ما طمحتم له، كانت الخيبة جبلاً ينهدّ فوقَ رؤوسكم.

تقولُ في نفسك أنك تستطيع التّخلي عن الأمنية، أنك ستضعُ الشهادة ومرتبة الشرف جانباً، ستنسى أنكَ كنت الأول على البقية، ستنسى أنكَ أردت شيئاً وتسلّقت له، وفي نهاية الأمرِ لن تنسى، وستحاول -جاهداً- أن تتناسى، ولن تتناسى.

ستصرخُ أصوات من أعماقِك تقول بأنه مجرّد مقعد، مجرّد أجرٍ زهيد، مجرّد عبودية، ستقول لك ولمن يركضون معك أن تبحثوا عن أشياء أخرى، عن مقاعد أخرى، عن أشياء تقضوا فيها وقتكم -وإن لم تكن مقاعد!-، عن أشياء قد لاتحبّونها، لكنكم مجبرون عليها، ستقول بأن بحثكم كان فاشلاً، أنكم أكيداً ستجدون، لكنكم لم تفتحوا أعينكم جيداً، ستسمع، ستحثّ السعي، وحين تُشاهد أكثر سيزدادُ حنقك أكثر.

“لا مقاعد!” سيقولون، ستشير لهم على كراسيّ شاغرة، “وهذه؟” ستسأل ببلاهة، وأمامك سترى أن الكراسي الواحدة يجلسُ عليها نصف رجل، أنهم دفعوا لهم تلكَ الكراسي، وطلبوا أن يجلس كلّ رجل على ثلاثة كراسي!، جالساً على واحد، ومادّاً قدميه على الكُرسيين مِن جمبه.

ستنسى ماتمنّيته منذ زمن، ستنساهُ حقاً، وستظلّ بأمنيّة جديدة، أمنية واحدة، أن تصرخ لكلّ تلك الأبوابِ المغلقة، التي أُغلقت في وجهك ووجه الجميع، أن تسألهم: لمَ كلّ هذا؟ أن تطلب منهم أن يدفعوا بكل تلك الكراسيّ الشاغرة، أن يخبروكم عنها، أن لايخبؤوها وكأنكم جئتم لسرقتها، ولن تطلبوا منهم أي شيء آخر.

سيمضي الكثير، ولم تزل تركض، ولن تكفّ عن الركض، ستجدُ نفسكَ في كلّ مكتب، وفي كلّ فرصة، ستجد نفسك في كل مكان، واقفاً وتسأل:” هل أجدُ كرسيّا؟ “.

-هاجر عبدالعزيز التميمي

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    يوسف أحمد الحسن

    يوسف أحمد الحسن

    بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

    بقلم : خالد فاروق السقا

    بقلم | المخترعه والكاتبه شروق بنت صالح الجنوبي

    بقلم / علي بن يحيى البهكلي

    بقلم | مبارك بن عوض الدوسري

    د / مرام ماجد شعث

    بقلم / فرح اللحياني

    التغريدات