عندما تصرح رئيسة وزراء تايوان تساي إنونج بأن بلادها لن تخيفها مناورات الصين العسكرية التي تجريها بيجين قبالة سواحل الجزيرة التي عرفت باسمها القديم فورموزا ، وسواءً تزامنت تصريحاتها هذه مع إجراء تلك المناورات أو مع زيارة رئيسة البرلمان الأمريكي نانسي بيلوسي التي صرحت هي الأخرى بأن أمريكا لن تتخلى عن تايوان فالمؤكد أن تبادل اطلاق هذه التصاريح ليس بمحض الصدفة .
وبالرغم من تحذيرات الصين من تبعات هذه الزيارة وأنها بمثابة استفزازٍ للصين عندما تعلن أمريكا بأن لن تتخلى عن تايوان وكما صرحت بيلوسي عن أهمية الحلف القائم بين واشتطن وتايبيه لأن أمريكا تنظر لتايوان كشريكٍ استراتيجي في منطقتي المحيطين الهندي والهادي وفي ذات السياق تقول رئيسة وزراء تايوان أن الزيارة تعبِّر عن متانة العلاقة بين أمريكا وتايوان وأن التعاون الراسخ بينهما مستمرٌ وأن بلادها ستكون على أهبة الإستعداد لأي هجومٍ من الصين .
وممَّا صاحب هذه الزيارة من ردود أفعالٍ متباينةٍ على كافة الأصعدة وفي مختلف وسائل الإعلام العالمية . الا أنني أرى بأن كلاً من واشنطن وبيجين لن يكون أحدٌ منهما متسرعاً الى انتهاج العمل العسكري لعدة اعتباراتٍ يمكن استنتاجها من الأوضاع القائمة حالياً ومن مبررات هذا الرأي :
أولاً : بالنسبة لأمريكا فإن تورطها وانزلاقها في عدة بؤرٍ صراعٍ في العالم إضافةً الى ما تواجهه خارجياً من تصميم روسيا على إكمال أهدافها للدواعي التي من أجلها قرر الرئيس بوتين مهاجمة أوكرانيا فأنكشفت قدرة حلف الناتو التي تقوده واشنطن وكذلك ما أقحمت فيه نفسها عن الأوضاع القائمة في إيران والعراق وسوريا واليمن فضلاً عن الحالة الاقتصادية المتردية داخلياً كنتيجةً لأضرار الحرب الدائرة في أوكرانيا وانعكاس ذلك على الطاقة مما أثقل كاهل الاقتصاد وكذلك أرهق الجيش الأمريكي .
ثانياً : أن الصين التي تغيرت تغيراً جذرياً عمّا كانت عليه في عهد مؤسس العصر الحديث في الصين الزعيم ماوتسي تونغ وبعدما انفتحت على العالم وانتعش اقتصادها بما انعكس إيجاباً على حياة الشعب الصيني الذي انطلق بسرعةٍ فائقةٍ الى النهوض في شتى مجالات الحياة وأصبحت ذات ثقلٍ لا يمكن تجاهل تأثيره في ميزان القوى عالمياً في العقدين الأخيرين حتى باتت قوةً لا يستهان بها في كل المجالات لذا فلا أعتقد أنها – أي الصين – بالسذاجة التي تدفعها الى أن تتهور في حربٍ كبرى مع أمريكا عندما تفكر باحتلال تايوان حرصاً منها على عدم الوقوع تحت طائلة العقوبات الاقتصادية التي قد تفرضها أمريكا ومن يسير في ركابها من دول العالم ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي فالمعيار لهكذا صراعاتٍ هو مدى ما سيلحق من ضررٍ .
وبالتالي فان ما صاحب زيارة بيلوسي قد يدخل في إطار جس النبض من الطرفين ومحاولة استعراض شيئٍ من قوة القرار لدولتين عظميين وتذكير كلٌ منهما للآخر بأنه يمتلك القوة اللازمة لفرض وجوده على الساحة الدولية ، وربّما تعمد أمريكا كما هي عادتها دائماً الى دعم بعض الفصائل المناهضة للصين والموالية للحكم في تايوان لكني في ذات الوقت لا أعتقد بأن هذا التعاطي في استفزاز كلٍ من أمريكا أو الصين لن يكون الأخير مع الأخذ في الحسبان ما ستؤول اليه الحرب الدائرة في أوكرانيا .