• 04:48:49pm

أحدث الموضوعات

مُت فارغا !!

تعليقات : 0
بقلم

أصداء الخليج
سُمية الحسن عسيري

عندما قرأت هذه العبارة لأول مرة على ذلك الكتاب الأصفر للكاتب تود هنري علقت في رأسي كثير من التساؤلات كيف للمرء أن يمُت وهو فارغ!! هل ينفق جميع أمواله ؟ أو يسافر إلى جميع البلدان ويفعل ما يخطر بباله ؟
ماذا يعني مُت فارغاً وكيف تُفرغ نفسك قبل أن تموت؟
الأنسان صندوق كنزٍ قيّم يحمل بداخله كنوز مختلفة أفكاره, قيمه, إبداعه, طاقاته يجب عليه قبل أن يموت أن يوزع هذا الكنز على كل من حوله إن كان علم فيعلمه, وإن كان فكرة فيلهمها, وإن كان يملك طاقة فيفجرها, وإن كان يملك قيم ومبادئ فيرسخها وينشرها.
ذكر رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها )
فقد شجعنا عليه الصلاة والسلام وحثّنا على افراغ كل الخير الذي فينا قبل الرحيل لأنه توفي أيضا فارغاُ بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة صلوات الله وسلامه عليه.
نحن أرواح مُتخمة بالخيرات كالسنابل التي تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها, التي كلما نضحت مالت على جانبها ليتسنى للمحتاج أن يتناولها ويأخذ من خيراتها.
ما أجمل أن تُفرغ جميع ما في جعبتك من خير وتوزعه بالمجان على أرواح تحتاج هذا الخير وتستقي منه, جميل أن تزرع فسيلتك بالدنيا قبل أن تموت وتظل هذه الفسيلة تنمو وتظللك بعد وفاتك هذه الفسيلة الصغيرة يظل خيرها عامر وممتد كرصيد لك تحتاجه عندما يحين وقت حصادها.
ذكر المؤلف تيد هنري تجربة مصممة التخطيط العمراني كاندي تشانج عندما توفي لها عزيز وفقدت لذّة العيش, وتأملت معنى الحياة وفيما يهمها حقا, دفعها الفضول إلى أن تكشف إن كانت لدى الآخرين أفكار تساعدهم وتدفعهم للعيش ولإكمال الحياة, فقامت بتدشين سبورة كبيرة على جدار مبنى مهجور وكتبت ( قبل أن أموت أريد أن ….. وتركت مساحات كبيرة للجواب وبعض الطباشير ليتسنى للمارة أن يشاركوا في الكتابة وترقبت لتنظر ما الذي سيحدث هل سيشاركون الناس؟ أم سيخربون هذه الجدارية الكبيرة ؟ أو سيتجاهلونها ويكملون طريقهم؟
لم يدم تساؤلها طويلاً بل كانت هذه الجدارية محط انتباه, ومساحة لتفريغ الأمنيات فقد امتلأت بآمال وأحلام أهل الحي والمارة, منها ما كان على الصعيد الشخصي ومنها لم يكن كذلك.
قبل أن أموت أريد أن أغني لملايين الناس..
قبل أن أموت أريد أن حصل على ترقية في عملي..
قبل أن أموت أريد أن اصبح غني..
قبل أن أموت أريد أن يتسنى لي ايواء بعض المتشردين…
قبل أن أموت أريد أُسافر..
قبل أن أموت أريد أن ألتقي بوالديّ..
هذه بعض العبارات التي كُتبت على تلك الجدارية وحظت بانتشار واسع وطالب سكان الحي والأحياء المجاورة بمثل هذه الجدارية التي أصبح لها صدى واسع في مدن شتى حول العالم.
أنا وأنت أيضا في داخلنا مثل هذا النُصب وأكبر, في داخلنا الكثير من الأماني والأمنيات والخير والأفكار والمشاريع التي لم يتسن لنا القيام بها وممارستها, نريد قبل أن نموت أن نفعل أشياء كثيرة وتجارب عديدة لنفعلها!! لدينا مقدار محدد للعيش وللحياة وما دُمنا أحياء فعلينا استغلال هذه المساحة للتفريغ.
لنعيش يومنا كأنه آخر يوم من حياتنا, ونعطي كل ما نملك, نبذل من الطاقة أقصاها, ومن العمل أفضله, ومن الإبداع أروعه ونكن مُلهمين, شغوفين, فرحين, سباقين, عاملين.
لا يجب علينا التوقف أبداً لفعل ما بوسعنا للعيش ولنفعل ما يُسعدنا ولننشر ظلالنا الوارفة, لنكن ظلاً بارداً ومديداً يُستراح تحته, ولنمت فارغين حتى لا نكُن لُقمة سائغة ودسمة لدودة الأرض, ولنطلق العنان لأكثر أعمالنا وأكثرها قيمة طالما لدينا المقدرة.
وبالنهاية ( لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك, اختر دائما أن تموت فارغا) – تيد هنري.
_______
حرر لصحيفة أصداء الخليج الأربعاء 2/2/1444
سُمية الحسن عسيري.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    يوسف أحمد الحسن

    يوسف أحمد الحسن

    بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

    بقلم : خالد فاروق السقا

    بقلم | المخترعه والكاتبه شروق بنت صالح الجنوبي

    بقلم / علي بن يحيى البهكلي

    بقلم | مبارك بن عوض الدوسري

    د / مرام ماجد شعث

    بقلم / فرح اللحياني

    التغريدات