مما لا شك فيه أن العالم مليء بالسلبية وتسوده الكثير من المشاكل والهموم، وتعصف به التقلبات ونحن فيه نتخبط كالسفن في عرض البحر تبحث عن مرسى.
هذه التقلبات توصلنا إلى مشاعر وأحاسيس مُجحفة وباهتة، تجعلُنا نُفكر بكل سلبية وبكل إحباط، وتميل بنا إلى عدم القناعة بالموجود والبحث عن المفقود، المفقود الذي يعتقده البعض بأنه السعادة واللذة التي تستقيم بها حياته، مقارنةً بما يرى من الذين حوله أصحاب السعادة الوهمية والسطحية.
بالرغم من هذه التخبطات وهذه الأفكار القاتمة
لو انه فكر قليلًا وتأمل في داخله، وغاص في عُمق مكنونه لوجد منبع السعادة الحقيقية ومفتاح الأنس والبهجة الدائمة وسر العيش الرغيد، هذا المكنون الثمين الذي هو كنز الحُكماء ومبلغ العُلماء مفتاح السعادة وسر الحياة الطيبة.
كنزٌ موجود في كهف عميق موجود داخلك يُبحث عنه باليقين تجاهه، لو اتبعته لوصلت مبلغك ولاستقامت حياتك.
إنه استشعار الرضا والامتنان لكل ما تعيشه، الذي يجعلك مبتهجًا بما أنت عليه وفيه، ويجعلك تتقبل الحقائق كما هي بعين القناعة، فإن تقبلنا حياتنا كما هي بيُسرها وعُسرها، بانجرافاتها وسكونها، وبما تُعطينا من شدتها وما تُمسكه من خيرها، بطيبها وخبثها بلونها وبتقلب مزاجاتها.
بحضارة عالمنا و قِدَم ثقافته، بتغيُر ملامحه وعولمته الجديدة، بوجود عقول مقوقعة وأفكار منفتحة،
بقبول الناس فيها بأشكالها وعقائدها واختلافها،
بتقبل شكلك أنت، بعرقك، بلونك، بلهجتك، بقبليتك
كُل ذلك ما هو إلا محرّك يضخ فيك الشعور بالرضا ، الذي يوصلك لجوهر الامتنان والسلام والسكون الداخلي
الذي يفيض على محياك بالنور والإجلال.
إن التفكر فيما لديك من النعم الصغيرة قبل الكبيرة يزيدك حبًا وحمدًا وشكرًا لمن وهبك إياها سبحانه، وإن تحدثت عنها وشكرت الله عليها كل يوم سينعكس ذلك إشراقًا وصفاءً على روحك، فيزيدك الله من سعته وفضله لأن بالحمد تدوم النعم : قال الله تعالى ( لئن شكرتم لأزيدنكم) اشكر الله بداية يومك أن زادك عمرًا تعطي فيه من خيرك وعطاءك لمن حولك، اشكر الله أنك ترى النور وتسمع ما حولك، وتُدرك ماهية الأشياء، مُحاطًا بأهلك وأصدقاءك وجيرانك.
كُن ممتنًا للهبات الصغيرة والتفاصيل الدقيقة التي تصنع يومك، إن المُمتنّين والراضين تنبعث من محياهم البهجة وتشرق من وجوههم هالة القبول والرضا.
أحيانًا هم ليسوا سعداء ولكنهم ممتنين لما وُهبوا من عطايا بينما غيرهم محروم منها، راضين بما آتاهم الله من فضله، فيشكرون الله على ما سرّ وساء من حالهم، فيزيدهم لهذا الامتنان والرضا إحسانًا وتوفيقًا .