لقد كان الرق نظام شائعا في العالم بأسره ومنتشرا في جميع البلدان تقريبا ومعروفا لدى شعوب الأرض، وكانت له أنظمة وأعراف متشابهة في أحكامها ومتماثلة في ظلمها وقسوتها وهو يعكس درجة تطور المجتمعات آنذاك التي كانت تتمسك بها.
فاسترقاق اليونان كان ينطلق من معاداة الآخرين: ويقوم على مقولة أرسطو: (كل من خارج أثينا برابرة)، وكانوا يعتبرونه ضرورة اقتصادية وسياسية، وأسرف الرومان في الرق حتى بلغ عدد الأرقاء ثلاثة أمثال الأحرار في بعض ولاياتهم، واسترقاق العرب في الجاهلية كان ظاهرة بارزة، حيث كانت تقام أسواق يباع فيها الرقيق.
والفراعنة لم يستطيعوا بناء الأهرامات والمباني الضخمة الشاهقة الارتفاع، لولا استخدامهم العبيد الذين سُحقوا ومات الآلاف منهم.
وغيرها من الأمم مارست الرق، بمختلف أشكاله وألوانه، وتعاملت مع الإنسان بأشكال مختلفة من العبودية والاسترقاق.
ومع أن الرق كان معروفا في الديانات الأخرى، اليهودية والمسيحية كما عرفته الديمقراطيات اليونانية القديمة إلا أنه لم يكن مما تقضي به الحكمة بل ولم يكن أمر إلغائه يسيرا مرة واحدة بقرار واحد كما يذهب د. محمد سليم غزوي في كتابه الحريات العامة في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الغربية والماركسية ص 19، بل التغلب على هذه المعضلة الاجتماعية، لا يتم إلا عبر الطرق التدريجية، وتوفير البدائل والحلول لمعاجلة هذه المشكلة.
ولعل العوامل والأسباب التي أدت الى الرق سابقًا، لا تزال ملحوظة في وقتنا الراهن فقد كانت الحروب القبلية التي لا تنتهي مصدراً من مصادر الاسترقاق، والغارات القبلية والفردية مصدرًا ثانيًا، والفقر المتفشي الذي يُلجأ الى الاستدانة مصدرًا ثالثًا بحسب د. محمد عمارة في كتابه الإسلام وحقوق الإنسان، وللأسباب نفسها، وبأساليب متطورة وتحت مسميات مختلفة اختلقها أصحاب الرقيق، كي يجدوا لهم مبررا مشروعاً لعملهم، نلاحظها حتى وقتنا الراهن.
فمع توفر الوسائل والأساليب التي تقضي على العوامل المساعدة، التي تؤدي الى الرق، وتبيان حقيقة تراثنا العربي الذي حارب الرق وتجارة الرقيق، سواء عبر الآيات القرآنية أو الأحاديث، أو بكتابات المفكرين والمجددين من أمتنا، نشير الى أن تراثنا مليء بالشواهد التي تساعد على التضييق من دائرة العوامل المؤدية الى الرق، كما في قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) البلد آية: 11، 12، والمراد بفك الرقبة هو المشاركة في عتقها، وأن العتق هو الاستقلال بهذا، فقد كان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الاطلاق، فجاء الإسلام وحرر الكثير من الرقيق عبر شرائهـم من ساداتهـم، وحصر موارد الرق التي كانت كثيرة وغزيرة، وأورد أحكامًا عديدة تؤكد عدم رضائه عن نظام الرق. فلم يكن بالإمكان تحريم الرق دفعة واحدة؛ إذ إن المجتمع لم يبلغ درجة من التطور تقضي بإلغاء الرق مرة واحدة بل إن الإسلام حاول ذلك على مراحل أو بالتدريج، لكي يمهد السبيل اللازم، والقاعدة المادية لتحريم الرق واجتثاثه في المجتمع وتحرير الأرقاء وإعادة تأهليهـم لدمجهم بالمجتمع بوصفهم أفرادا أحرارا مستقلين ومتساوين مع غيرهم.
وفي العصر الحديث نصت المادة الرابعة من حقوق الإنسان بالتالي: (لا يجوز استرقاق أحد او استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما)، لتؤكد بشاعة هذا العمل.