يتعرض الدين الإسلامي إلى هجوم مستمر منذ عقود طويلة، بإلصاق تهم جائرة لهذا الدين السماوي الحنيف مرة بذريعة حضه على العنف والكراهية وأخرى باتهامه تبني أفكارا عنصرية طائفية وثالثة بزعزعة الاستقرار العالمي، وولدت تنظيمات إرهابية عاثت في الأرض فسادا وارتكبت أفظع الجرائم بحق الشعوب في غير دولة على امتداد العالم متخذة من هذا الدين السمح مطية لمآربها الخاصة، هذه الهجمة الشرسة التي وصمت الدين الحنيف بأقذع الصفات، أفرزت مصطلحا جديدا “الإسلاموفوبيا”، للتعبير عن الهلع من الإسلام وأتباعه من المسلمين، وراحت تروّج لمخاطره وتهديداته للمجتمعات المسالمة ذات القيم الإنسانية المتحضرة، أمام هذا الواقع المرير، كان لا بد من حراك سياسي واجتماعي وإنساني على مستوى دولي وعلى عدة محاور، لتبيان خطأ هذه النظرة إلى الإسلام، وتبرئته من بعض الشراذم التي اتخذته مطية لتنفيذ أجندات معينة ولصالح جهات معينة، فكانت المملكة العربية السعودية، مهد الرسالة المحمدية ومهبط الوحي، الدولة الأحق في الدفاع عن أعظم الأديان السماوية وأعظم رسل الله إلى البشرية، محمد صلى الله عليه وسلم.
تصحيح المفاهيم
وفي هذا الإطار، اتخذت قيادة المملكة على عاتقها، تصحيح المفاهيم وتوضيح الالتباسات في فهم النصوص وتفسيراتها، كخطوة أولى ضمن استراتيجية متعددة الأوجه، تبرز عظمة مبادئ هذا الدين والقيم الإنسانية السامية التي يدعو إليها، وبذلت ما يلزم من جهود عملية وتخصيصات مالية، لتدفع بالحسنى التهم التي سيقت للدين السمح وأتباعه على مدى السنوات الماضية، وأطلقت قيادة المملكة، ولا سيما بعد وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم، وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، أطلقت حملة عالمية لتبيان وسطية الإسلام واعتداله، وأوفدت لهذه الغاية أعظم رجالاتها وعلمائها ممن تشربوا مبادئ الدين الصحيح ومفاهيمه السامية، ليكونوا سفراء لها في مشارق الأرض ومغاربها، توازيا مع حملات أخرى رفعت شعار تصحيح الخطاب الديني وفق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ووفق فهم السلف الصالح التي لا تشوبه أي شائبة.
الخطابات المناوئة
وبعد جهد مضن ما يزال مستمرا، حققت استراتيجية المملكة أهدافا مهمة، فتغيرت نظرة دوائر القرار العالمي والشعوب حول العالم إلى الإسلام، وانخفضت حدة الخطابات المناوئة له بل إنها انقلبت إلى المديح بعد الذم الذي ميزها لعقود من الزمن، وبدأت أصوات أهل العلم من علماء المسلمين، تصل إلى مسامع العالم بعد حجبها والتضييق عليها، من خلال المؤتمرات الدولية التي دعت إليها ونظمتها، وآخرها مؤتمر (التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها)، الذي نظمته وزارة الشؤون الإسلامية كواحد من مسارات كثيرة تتحرك عليها ضمن استراتيجيتها الناجحة، ويقول أمين جمعية أهل الحديث في جمهورية باكستان د. عبدالكريم قادر بخش، إن جهود المملكة في نشر الوسطية والاعتدال، وترسيخ مبدأ التسامح والسلام والحوار بين الأديان، واضحة من خلال تنظيم المؤتمرات الدولية، ومن بينها مؤتمر (التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها)، مبينا أن المملكة دائما ما تكون حريصة على توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم وتقديم كل العون لهم في جميع بلدان العالم.
التضامن والوئام
فيما أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، أن المؤتمر الدولي الذي يجمع بين أبناء الأمة الإسلامية وفي جوار البيت الحرام له أهمية كبرى فيما يتضمن من محاور تحمل الكثير من المعاني الإسلامية السامية، فهو وسيلة لتوثيق روابط التعاون بين أبناء الأمـة الإسلاميـة، ومظهر لإبراز التضامن والوئام بين المسلمين، مشيداً بجهود المملكة العربية السعودية في نشر الوسطية والاعتدال وترسيخ مبدأ التسامح والسلام والتي لا تعد ولا تحصى، وشدد المفتي على أن الإسلام دين الاعتدال، وينكر الغلو والتطرف وخصوصاً باسم الدين ويدعو إلى الوسطية والاعتدال والمحبة والتعاون بين الشعوب، مشيراً إلى أنه ينبغي علينا أن نكون أمناء على الوسطية في حياتنا العامة والخاصة بلا تشدد، ولا تفلت، ولا غلو، ولا تطرف، ولفت مفتي لبنان الانتباه إلى جهود المملكة في نشر الوسطية والاعتدال وفي ترسيخ وتأصيل ثقافة الوسطية والاعتدال ودعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية ونصرة الحق والعدل في العالم، وكذلك التوعية بمنهج الوسطية، مثمناً حرص المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله- على بذل الجهود للم الشمل العربي والإسلامي والعمل على وحدة الصف والتلاحم.
قضايا النوازل
وفي منحىً تصاعدي للخطابات المؤيدة لجهود المملكة العربية السعودي في نشر وسطية الإسلام واعتداله، أكد د. رئيس مجلس الأوقاف السنية بمملكة البحرين راشد بن محمد الهاجري، أهمية مؤتمر (التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها) لمعالجة القضايا والنوازل والاستفادة من أهل العلم المشاركين فيها ومن خبراتهم وتأصيلهم لهذه القضايا، مشيرًا إلى أن مؤتمر “تواصل وتكامل” من المؤتمرات المهمة التي تهدف للنهوض برسالة المؤسسة الدينية في ظل التحديات المعاصر، مضيفاً أن المملكة قائدة للعمل الإسلامي في جميع القضايا السياسية والدينية و الفكرية، وهي حريصة على الاستقرار والسلام لجميع دول المنطقة، وبين د. راشد أن وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة تضطلع بدور كبير في معالجة وتصحيح الأخطاء على الساحة العلمية والفكرية من خلال نشر الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب والأفكار الدخيلة على المسلمين.
عين الإسلام
أصداء الجهد والعمل السعودي وصلت القارة الإفريقية كما غيرها من قارات العالم، رئيس أهل السنة والجماعة بجمهورية توغو الشيخ عبدالجليل سليمان، أكد أن مسلمي توغو ينظرون للمملكة العربية السعودية بأنها عين الإسلام والمسلمين، وبنشرها للوسطية والاعتدال حققت أهدافها النبيلة في نشر السلام والتعايش في العلم، مشيداً بجهود وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في تنظيم مؤتمر “تواصل وتكامل” بصورة متميزة تحقق تطلعات هذه البلاد المباركة، مضيفا: إن مَن تخرج من جامعات المملكة يحملون هذا الفكر والنهج وينشرونه للناس في العالم، “فإذاً السعودية هي الأساس والناس تتبع لها”، مضيفا أن المملكة اكتسبت قوة سياسية ودينية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -أيدهما الله- “ورأينا منهم جدية في العمل ولولا وجود السعودية -بعد الله عز وجل- في عصرنا الحالي لما ظهرت حقيقة الإسلام”، ما تزال جهود المملكة العربية السعودية مستمرة لتحقيق كامل أهدافها في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدين الإسلامي، وترسيخ وتكريس قيمه الإنسانية النبيلة، لكنها تسير بخطىً ثابتة واثقة وفق خارطة طريق وضعتها لتفعيل والارتقاء بالعمل الإسلامي المشترك، نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي ستنعكس سلاما ووئاما وازدهارا على الشعوب الإسلامية وشعوب العالم قاطبة.