• 08:18:57am

أحدث الموضوعات

شهادة الشهود بثوبها الجديد

تعليقات : 0
بقلم

أصداء الخليج
بقلم /  منى جاسم محمد المحيبس

احتلت الشّهادة مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية كدليل إثباتي حيث أتَت في المرتبة الأولى.

ويلْتزم القاضي بالأخذ بها متى ما توافرت الشّروط وسلِمت من المطاعن؛ أمّا اليوم فهي ركيزة من ركائز الإثبات التي يقوم معظم العمل القضائي عليها، ولكنها اليوم لا تحتل ذات المكانة خاصة وأن القوانين المدنيّة تسعى لترسيخ الكتابة والإثبات بها؛ والمقصود هنا بالكتابة: هو تدوين الواقعة التي حصلت مع المصادقة على هذا التدوين للرجوع إليه عند الخلاف. وهذا التدوين العام يسمى (المحرّر) أي المكتوب، وأما ما يُتداول بين الناس فهو (المحرّر العادي).
يمكن تعريف دليل الشّهادة على أنّها إثبات واقعة من غير أطراف الخصومة بالإخبار في مجلس القضاء بعد حلف اليمين بما يعرفه الشّخص حول وقائع معيّنةٍ، وهذه الوقائع تصلح أن تكون محلاً للإثبات، ونفرق هنا بين الإقرار الذي يكون للغير على النّفس، وبين الشّهادة التي تكون إقرار للغير بحق للغير ليس للشّاهد فيها مصلحة، ومن المقرر في التّشريعات الوطنية أن الشّهادة تنصبُّ على ما يراه الشّاهد ببصره أو سمعه أو إدراكه بحواسه الأخرى، وهو ما يطلق عليها الشّهادة المباشرة، وهذه الشّهادة لا يمكن أن يكون محتواها آراء الشّاهد أو معتقده الشّخصي أو تقديره لجسامة الواقعة أو المسؤوليّة التي تقع على المتّهم من عدمها؛ لأن الشّهادة محض إخبار عن مشاهدة أو معاينة لا عن تخمين واعتقاد، وهنا يجب علينا أن نوضّح الفرق بين الشّهادة المباشرة التي سبق الإشارة إليها والشّهادة السّماعية، فالأخيرة تنصبُّ على رواية سمعها الشاهد بطريقة غير مباشرة نقلاً عن شخص آخر، وهي بالعادة لا تكون موضع ثقة؛ لأنها معرّضة للتحريف وقد تناول المنظّم السعودي محل الشّهادة في الباب الخامس من نظام الإثبات مضيفًا عليها المزيد من الدقّة والتفصيل، فالشّهادة في نظام الإثبات السعودي جائزة كأصل عام فيما يقل عن مائة ألف ريال سعودي أو ما يعادلها أو كان شيئًا غير محدّد القيمة؛ لكن التصرّف من غير المال حدّدته المحكمة من خلال ندب خبير، وأمّا لو اشتملت الدعوى طلبات متعدّدة عن مصادر مختلفة فيجوز الإثبات بشهادة الشُّهود في كل طلب
شريطة ألا يزيد قيمتها عن مائة ألف ريال سعودي كما أنّ النّظام نصّ على حالات استثنائية تقلّ فيها القيمة عن مائة ألف ريال سعودي ومع هذا لا تُقبل بها الشّهادة إذا اشترط المنظم لصحّته أو إثباته على أن يكون مكتوبًا فلا سبيل هنا إلى الشّهادة، ومما أضافه المنظم أيضًا في المادة الثانية والسبعون، وحتى الرّابعة والسّبعون: أن الخصم الذي سيلجأ للشّهادة يجب عليه بيان الوقائع المراد إثباتها، وأسماء الشهود وعددهم كما أن الإمهال يكون لمرّة واحدة فقط، فإذا لم يحضر الشّاهد لغير عذر تقبله المحكمة، فتفصل في الخصومة
دون إمهال كما أنه مَكّن الخصم من توجيه الأسئلة للشّاهد، فإذا انتهى فلا يجوز إبداء أسئلة جديدة، ومن تُردّ شهادته لوجود منفعة أو دفعِ ضرٍّ ثم زال هذا المانع فأعادها لم تقبل هذه الشّهادة؛ لأن السّبب الحقيقي من وراء هذه الإعادة قد يكون لإزالة عار الرّد لا أكثر، كما أن رَدّها كان باجتهاد، وقبولها سيكون نقضًا لذلك الاجتهاد وهذا لا يجوز أمّا في القوانين الجنائية فدليل الشهادة مازال يحتفظ بمكانته، فالجرائم تقع من قبيل الصّدفة وغير متصوّر أن يكون قد تم إعداد دليل إثباتي عليها فتكون من الأفعال الماديّة المانعة بطبيعتها من حصول الخصم على دليل كتابي فلا يتيسّر عند حدوثها إلا الإثبات بجميع طرق الإثبات
بما فيها الشّهادة وبقيّة القرائن؛ ونظرًا لهذه الأهميّة تمّت الموافقة مؤخرًا على نظام حماية المُبلّغين والشُّهود؛ لتعزيز العدالة الجنائية وحماية المجتمع، فجوهر مكافحة الفساد هو الإبلاغ عنه، فكيف سيبلغون إذا لم يُحفّزوا بإسباغ هذه الحماية للكشف عن جرائم الفساد.
يستفيد طالب الحماية والذي قد يكون مُبلّغًا خبيرًا شاهدًا، بالحماية الشخصية، والحماية الوظيفية، والحماية القانونية، فللجهة المختصّة إسباغ الحماية الأمنية عليه وعلى أهله حتى الدرجة الرّابعة، وإخفاء البيانات الشّخصية، والنَّقل من مكان العمل إذا واجه ضغطًا أو تهديدًا بصفة مؤقته أو دائمة، والمساعدة في الحصول على عمل بديل إذا دعت الحاجة، ويشترط لمنح الحماية هذه حسن النّية بالإضافة إلى العلاقة السّببية المباشرة بين الإبلاغ والضّرر أمّا إذا تبيّن من ظروف الحال كيْديّة البلاغ فإن الدَّعوى الجزائيَّة تحرِّك ضد الشَّاهد نفسه، ويُتّخذ معه الإجراء المناسب والعقوبة المناسبة، فجاء هذا النظام مؤكِّدًا على أهميَّة الشَّهادة في كشف الفساد وتوفير الحماية الكافية على الشُّهود والمبلِّغين من أي اعتداء.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    يوسف أحمد الحسن

    يوسف أحمد الحسن

    بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

    بقلم : خالد فاروق السقا

    بقلم | المخترعه والكاتبه شروق بنت صالح الجنوبي

    بقلم / علي بن يحيى البهكلي

    بقلم | مبارك بن عوض الدوسري

    د / مرام ماجد شعث

    بقلم / فرح اللحياني

    التغريدات