يشهد عالم الأعمال في المملكة العربية السعودية ثورة تقنية هائلة مع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) وروبوتات المحادثة مثل “شات جي بي تي ChatGPT وGPT-4” وغيرها، فقد باتت الشركات في مختلف القطاعات تُوظّف هذه الأدوات الذكية لتحقيق أهداف متعددة، بما في ذلك أتمتة المهام، وتحسين عملية صنع القرار، واكتساب ميزة تنافسية هائلة، وتعزيز الحوكمة والمخاطر والامتثالGRC) ).
وتُعدّ هذه التطورات مُحركًا رئيسيًا لتحقيق رؤية المملكة 2030، حيث يربط 66 هدفًا من أهدافها بشكل مباشر أو غير مباشر بالبيانات والذكاء الاصطناعي، وتسعى المملكة من خلال هذه الرؤية الطموحة إلى الريادة ضمن الاقتصادات القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي، والتنويع الاقتصادي من خلال دعم القطاعات والصناعات غير النفطية.
ويمثل مجال الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC) أحد أكثر المجالات تأثرًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتيح هذه التقنيات للشركات معالجة البيانات الضخمة وتحليلها بشكل أسرع وأكثر دقة، وإنشاء تقارير شاملة تساعد على اتخاذ قرارات أفضل بشأن المخاطر، والامتثال للوائح والقوانين بشكل أكثر فعالية.
تحديات والمشاركة
على الرغم من الفوائد الجمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أن سرعة تطورها تطرح بعض التحديات، مثل صعوبة دمج معايير GRC مع مشهد الذكاء الاصطناعي المتطور، والحاجة إلى تحديث القوانين واللوائح بشكل مستمر لمواكبة التطورات، ولذلك أصبح من الضروري تبني مفهوم “التحسين المستمر” من قبل جميع الأطراف المعنية، بدءًا من خبراء GRC الذين يتوجب عليهم مواكبة التطورات التقنية بشكل دائم، وصولًا إلى الهيئات التنظيمية التي تشرف على قوانين الذكاء الاصطناعي وتحتاج إلى تحديثها بشكل مستمر.
وفي هذا السياق، أكد رامبراكاش رامامورثي، مدير أبحاث الذكاء الاصطناعي في شركة مانيج إنجن، المتخصصة في إدارة تكنولوجيا المعلومات المؤسسية، والتابعة لمجموعة زوهو العالمية-على أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال GRC، قائلًا: “أن مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الحوكمة والمخاطر والامتثال بالمملكة العربية السعودية واعد ومليء بالإمكانيات ولكنه يتطلب مقاربة مدروسة تضع في الاعتبار المخاطر والتحديات جنبًا إلى جنب مع الفرص، وبالتعاون الفعال بين القطاعين العام والخاص، يمكن للمملكة الاستفادة من هذه التقنية الثورية لتعزيز كفاءة GRC وتحقيق التميز في مختلف المجالات”.
فوائد هائلة
أوضح رامامورثي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدم العديد من الفوائد لتعزيز منظومة الحوكمة والمخاطر والامتثال، تشمل أتمتة المهام، وتحسين إدارة التغيير، وربط الأنشطة التنظيمية بالسياسات، وتسهيل اكتشاف المخاطر، ورصد الامتثال، وتقديم تقييمات مخاطر موضوعية، وهو ما يتيح للشركات تقليل الجهد البشري، وتعزيز الدقة، واتخاذ قرارات أفضل بشأن المخاطر والامتثال، متوقعًا أن يؤدي استمرار تطور هذه التقنيات إلى مزيد من التحسينات والابتكارات في المجال، مما سيسهم في تحسين كفاءة العمليات، وضمان بيئة عمل آمنة وفعالة، وممتثلة للقوانين.
ولا تقتصر فوائد تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على مجال الحوكمة والمخاطر والامتثال بشكل عام، بل تمتد لتشمل كل ركيزة من ركائزه، ففي مجال الحوكمة يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرات هائلة في تحليل البيانات من مصادر متنوعة، بما في ذلك التهديدات وتقارير الامتثال، مما يساهم في اكتشاف الأنماط والأخطاء في البيانات بكفاءة، وبالتالي يُمكن المؤسسات من تكييف سياساتها بشكل استباقي مع التهديدات المستجدة والتغييرات التنظيمية.
كما يساعد الذكاء الاصطناعي على رصد العلامات الخفية للاختراقات الإلكترونية في حركة البيانات وسلوك المستخدم باستخدام تقنيات التعلم الآلي، بالإضافة إلى أتمتة تنفيذ سياسة الأمان من خلال معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لضمان الامتثال للسياسات الداخلية والخارجية، وتبسيط عمليات الحوكمة، فضلًا عن تأمين المؤسسات ضد التهديدات الإلكترونية من خلال فحص وصول المستخدم ومهام المعالجة.
إدارة المخاطر
وفي مجال إدارة المخاطر، يقدم الذكاء الاصطناعي العديد من الوظائف، منها التحليل الدقيق لبيانات حوادث الأمن السيبراني، وتحديد الاتجاهات والارتباطات لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تخفيف المخاطر، كما يُمكنه تحليل سيناريوهات الخرق وتحديد نقاط الضعف المحتملة وتأثيراتها المالية، بما في ذلك التكاليف المباشرة وغير المباشرة، وذلك باستخدام أدوات النمذجة المالية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى قدرته على قياس العائد المحتمل على الاستثمار (ROI) في تخطيط الاستثمار الاستراتيجي بناءً على البيانات والأدلة التجريبية.
أما فيما يتعلق بالامتثال، فيسهم الذكاء الاصطناعي في تبسيط عمليات مراقبة النظام وإعداد التقارير، وضمان الامتثال للوائح التنظيمية، كما يحمي البيانات من خلال تصنيفها وتشفيرها آليًا، ويقوم بتحليل الاتصالات والمعاملات في الوقت الفعلي لاكتشاف مؤشرات عدم الامتثال، بالإضافة إلى ذلك، يقوم بتحليل وفهم العقود التنظيمية المعقدة باستخدام تقنية معالجة اللغة الطبيعية (NLP).
المخاوف والتحديات
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC)، إلا أن رامامورثي يُحذّر من وجود بعض المخاوف والتحديات لاستخدام هذه التقنيات.
فمن ناحية، قد تُنتج النماذج معلومات غير صحيحة نتيجة للبيانات غير الدقيقة أو التحيزات البشرية التي قد تتسرب إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، مما يؤثر على دقتها وموثوقيتها، كما تفتقر هذه الأنظمة إلى مراجع موثوقة، مما يجعل من الصعب التحقق من صحة المعلومات.
ومن ناحية أخرى، تواجه الشركات تحديات أخلاقية وقانونية عند استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال GRC، فقد لا تمتلك الشركات الخبرات الأخلاقية اللازمة لضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، مما يتطلب توظيف خبراء متخصصين في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لضمان تطوير ونشر أنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وقانوني.
خبراء الـ GRC
يؤدي أخصائيو الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC) دورًا حيويًا في وضع سياسات تنظيم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنشاء الضوابط الضرورية لضمان الامتثال للمعايير الأخلاقية والقانونية، وحماية المؤسسات من مخاطر اعتماد الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي (GenAI)، فمع استمرار تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، يصبح دور خبراء الـ GRC ضروريًا لتوجيه المؤسسات نحو الاستفادة من إمكانياتها مع تقليل المخاطر والحفاظ على المعايير الأخلاقية.
ويوصي رامامورثي المؤسسات والشركات في المملكة العربية السعودية بالتعامل السريع مع التحديات المحيطة بعمليات الدمج الآمن والامتثال للقوانين واللوائح، خاصة في سياق إدارة المخاطر والامتثال التي يقودها الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى أن استكشاف إمكانيات الذكاء الاصطناعي في مجال الحوكمة والمخاطر والامتثال لم يعد مجرد خيار مستحب، بل أصبح ضرورة حتمية.
كما نوّه رامامورثي على أهمية احتضان مجموعة متنوعة من الحلول التكنولوجية المتطورة وتذليل أي عقبات تعترض هذا التوجه، سواء كانت شكلية أو جوهرية، لضمان المضي قدمًا في رحلة الابتكار والتقدم، والاستفادة القصوى من إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) في مختلف المجالات، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة الطموحة لتحقيق الريادة في اقتصاد البيانات والذكاء الاصطناعي.