تحفظ ذاكرة التاريخ بالكثير من العظماء الذين يرحلون عن دنيانا وقد أبقوا خلفهم أنبل السير وأجمل الصور وأعظم الأثر، ولكن يختلفون في التأثير الذي يمتد عبر الزمن إلى أجيال تقف عند تلك الشخصيات بكل جلالها ومقامها وقدرها المهيب لأنهم إنما كانوا مدارس حياة لا ينقطع درسها بما فيه من إلهام وحافز وقدوة تمثل بصمة للشخصية وقوة تأثيرها وأثرها في حياتنا.
من أولئك الأفذاذ تبرز شخصية صاحب السمو الأمير سعد بن خالد بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، ابن الأسود وسعد الزمان الذي يبقى حيا بإرثه الذي تتناقله هذه الأجيال لما فيه من عظيم الدروس ومكارم الأخلاق والصفات وأشرف الخصال حيث كان، رحمه الله، نموذجا فاضلا للإنسان الذي يتدفق بكل نقاء الفضائل والشمائل التي جعلت كل من عرفه يحبه ويستلهم منه معاني الحياة وأن يكون الإنسان ذي قيمة في مجتمعه ووطنه.
تلك الشخصية المتفردة كانت عبقرية واستثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو منبع خير وإنسانية لم يتوقف عطاءه مطلقا فكان الكريم دوما ابن الكرام، والمحسن دوما ابن المحسنين، فالتقت فيه في الشهامة، والمروءة والكرم، والسلوك القويم، والتواضع الجم، وصلة الأرحام، والتقوى إذ كان حمامة مسجد، وحب الخير إذ كان قصره مفتوحا للمساكين والفقراء وأصحاب الحاجات، ويعمل الخير مكرما المحتاجين واليتامى محافظا على تعففهم.
لقد كانت مسيرة الأمير سعد بن خالد، رحمه الله، عنوانا لكل خير وصلاح في الإنسان، ولا يزال كل من يعرفه يذكره بكل الطيب والمحبة حيث عاش حياة مليئة بالعطاء وتجسيد خيرية الإنسان بكل ما فيها من بذل وعطاء ومكارم أخلاق ليبقى إرثه وسيرته العطرة عبقة تفوح بالنُبل والأصالة وجمال الشخصية المثالية التي تصبح مثلا أعلى وقدوة رفيعة، فمثله لا يرحل إلا جسدا وتبقى بيض صنائعه حية تشرق بشخصه السامي.
رحل سمو الأمير سعد وهو يعاني المرض مستشفيا في الولايات المتحدة الأمريكية وهناك وافاه الأجل في رمضان 1427هـ/ أكتوبر 2006م لتدمع الأعين على ذلك الرحيل ولأن قيادتنا الرشيدة منبع الوفاء والمحبة وتقدير الرجال فقد كان في استقبال جثمانه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، حين كان أميرا لمنطقة الرياض، وقد جمعته بالفقيد علاقة وثيقة منذ صغرهما والمراحل المبكرة من عمريهما.
رحم الله تعالى سمو الأمير سعد وأسكنه فسيح جناته، وإنها لنعم السيرة والمسيرة، والإرث الطيب الذي يجعلنا نقف عندها نستلهم ما فيها من رفيع الأخلاق وكريم الصفات التي نتطلع لأن نقتبس منها لنمضي بمثل هذا الخلق والشخصية التي تبذل كل ذلك الحب والخير والمروءة، وتجعلنا ننظر إلى الحياة بمنظور مختلف يرتكز إلى نموذجه الإنساني الفريد.