في خطوة تحمل الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، خلال كلمتها في منتدى دافوس العالمي، أن الاتحاد الأوروبي سيتعامل ببراغماتية مع الولايات المتحدة في ظل عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ومع دخول ترامب ولايته الجديدة، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات متجددة بشأن العلاقة مع شريك عالمي رئيسي يتبنى سياسات مثيرة للجدل.

البراغماتية الأوروبية: بين الضرورة والمصلحة

صرحت فون دير لايين أن الاتحاد الأوروبي سيبدأ “دون تأخير” في الدخول بحوار مع إدارة ترامب لدراسة المصالح المشتركة والتحضير للتفاوض. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على حماية “قيمه ومصالحه”، وهو تصريح يعكس قلقًا واضحًا بشأن تأثير عودة ترامب على العلاقات بين الطرفين.

ترامب، الذي عُرف خلال ولايته الأولى بنهجه الانعزالي وسياساته التي أربكت حلفاء واشنطن التقليديين، يمثل تحديًا كبيرًا لأوروبا التي تسعى للحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد. انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى السياسات التجارية الحمائية، كانت أبرز محطات الخلاف بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي.

التحديات الرئيسية: مناخ وتجارة وأمن

عودة ترامب تعني احتمال تجدد الخلافات حول عدة ملفات حساسة، في ولايته الأولى، انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ واعتبرها عبئًا على الاقتصاد الأمريكي، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تُعد مكافحة التغير المناخي أولوية قصوى، مما يضع الطرفين على مسار تصادمي إذا استمر ترامب في موقفه الرافض، ويتبنى ترامب سياسة تجارية حمائية تسعى لتقليل العجز التجاري للولايات المتحدة، وقد فرض سابقًا تعريفات جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي، مما أثار توترات اقتصادية كبيرة. عودة مثل هذه السياسات قد تعرقل التبادل التجاري بين الجانبين، وخلال ولايته الأولى، انتقد ترامب حلفاء الناتو لعدم إنفاقهم الكافي على الدفاع، مما خلق توترًا في العلاقات الأمنية مع أوروبا. الاتحاد الأوروبي يخشى أن يتكرر هذا النهج، مما يضعف وحدة الحلف.

أوروبا بعد ترامب.. استعدادات لمواجهة المجهول

خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2021)، تأثرت العلاقات الأوروبية-الأمريكية بشدة بسبب نهجه غير التقليدي وتفضيله السياسات الأحادية على الشراكات الدولية. انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى فرض تعريفات جمركية على السلع الأوروبية مثل الصلب والألمنيوم، أبرزت الفجوة في الرؤى بين الطرفين، وعلى الرغم من ذلك، لم تخلُ العلاقات من محاولات للتعاون في بعض المجالات، مثل مواجهة النفوذ الصيني المتزايد. ومع ذلك، فإن نهج ترامب الحاد أثار قلق قادة الاتحاد الأوروبي، الذين رأوا فيه تهديدًا للوحدة عبر الأطلسي.

وتعكس تصريحات فون دير لايين استعداد الاتحاد الأوروبي للتعامل مع عودة ترامب بطريقة أكثر استراتيجية. البراغماتية التي تحدثت عنها قد تكون خيارًا واقعيًا في ظل التعقيدات الجيوسياسية والاقتصادية. فالاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى تعزيز مكانته كقوة عالمية مستقلة، يدرك أن المواجهة المباشرة مع واشنطن ليست في مصلحته، لكنه في الوقت نفسه لن يتنازل عن الدفاع عن قيمه ومصالحه.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض تضع الاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب. البراغماتية التي أعلنت عنها فون دير لايين قد تكون الأسلوب الأنسب لإدارة العلاقة مع واشنطن، لكن السؤال يبقى: هل يكفي الحوار والتفاوض لتجنب التصادم مع سياسات ترامب المثيرة للجدل؟ أم أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه مجددًا في مواجهة صعبة مع شريك قديم بنهج جديد؟