
قبل أيام رحل عن دنيانا رجل من خيرة أبناء وطننا العزيز، عملت معه لسنوات طويلة وشاركت معه في خدمة هذا الوطن الغالي، إنه الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز.. -رحمه الله-، الذي كان قائداً وإنساناً وأخاً وصديقاً قبل أن يكون مسؤولاً. ولقد عرفت الأمير محمد بن فهد -رحمه الله- ليس فقط بحكم عملي معه لسنوات طويلة، بل عرفته بحكمته في اتخاذ القرار، وعمق نظرته للأمور، واهتمامه الدائم بالمواطنين أثناء توليه إمارة المنطقة الشرقية، وإشرافه على مشاريع المنطقة التنموية.
على مدار السنوات التي جمعتني بالأمير محمد بن فهد -رحمه الله-، لم يكن مجرد مسؤول، بل هو أكثر من ذلك بكثير، إذ كان بمثابة الأخ الكبير الذي ألجأ إليه والصديق الذي أستنير بحكمته والملاذ الذي أشعر معه بالأمان. كنا لا نحتاج إلى حوار لنتفاهم، إذ كان هناك فهم عميق، وكان وجوده في حياتي مصدر طمأنينة وأمان بعد الله سبحانه وتعالى وثبات لا يمكن وصفه في مقال. والعلاقة مع الأمير محمد بن فهد -رحمه الله- لم تكن مجرد علاقة في حدود القرابة بل علاقة امتزجت فيها الأخوة الحقيقية بالوفاء والمساندة في أصعب الظروف وأدقها، ودعته كما يودّع الأخ والصديق ورفيق الدرب وكما يودع التلميذ معلمه. الأمير محمد بن فهد -رحمه الله- كان إنساناً بكل ما يحمله هذا اللفظ من معان، إذ وجدته متمسكاً بمبادئه، ولم تبعده السلطة عن إنسانيته. ولآخر يوم في حياته كان يحمل نفس البساطة ونفس الشعور بالمسؤولية تجاه الناس. كان -رحمه الله- يبذل جهوداً لخدمة الناس وبدون أن ينتظر مقابلاً، بل أن أغلب أعماله كانت بينه وبين خالقه. كان -رحمه الله- يتحلى بالصبر والحكمة وكرم النفس واليد والجود مع القريب والبعيد دون إفصاح، وكان -رحمه الله- مبادراً لفعل الخير دون انتظار مقابل. ولقد عرفته -رحمه الله- يتسم بالشجاعة عند اتخاذ القرار مصحوبة بالثقة العالية بالنفس. كان المغفور له مثالاً يحتذى به في الصبر والحكمة. عرفته يواجه التحديات برباطة جأش ورؤية ثاقبة.. وقد كان صاحب رؤية مستقبلية سابقةً لعصرها وضع من خلالها أسساً متينة لمشاريع ومبادرات خدمية وإنسانية ستظل شاهدة على عظمته وإرثه الخالد. فالعمل في الدولة بالنسبة للأمير محمد بن فهد -رحمه الله- لم يكن مجرد منصب أو مسؤولية يؤديها بل كان شغفاً بالإنجاز وتفانياً في خدمة الوطن. فكان -رحمه الله- يؤمن بأن العمل الإنساني والخيري المؤدي لتنمية المجتمع مكملاً لوظيفته في الدولة وكان يسعى للتعرف على احتياجات المجتمع ويطلق المبادرات لتلبيتها إذ أسس -رحمه الله- أربع عشرة مبادرة محلية وثماني مبادرات عالمية. والمجال قد لا يتسع لذكر مبادراته -رحمه الله- ولكن نذكر أهمها إذ أن من أعظم ما أسسه الأمير الراحل جامعة الأمير محمد بن فهد التي أصبحت نموذجاً أكاديمياً عالمياً وكذلك مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية التي أطلقت العشرات من البرامج الهادفة إلى تمكين الأفراد وتحسين جودة حياتهم. ولم تكن هذه المبادرات مجرد مشاريع مؤقته بل أصبحت منارات تستمر في التأثير والإسهام في تنمية المجتمع.. وطال أثرها المجتمع المحلي والعالمي على حد سواء، ولقد اختار -رحمه الله- من خلال مبادراته وبرامجه ودعمه للمحتاجين والمجتمع أن يكون امتداداً لنهج والده الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
وكان يؤمن -رحمه الله- بأن القيادة ليست سُلطة بل مسؤولية تجاه المواطنين وغيرهم.
ولهذا كان قريباً من المجتمع من خلال مجالسه المفتوحة ولقاءاته المباشرة وزياراته الميدانية. وعندما أعود بالذاكرة إلى الأيام التي جمعتني بالأمير محمد بن فهد -رحمه الله- أتذكر جيداً حكمته العميقة في مواجهة الأمور ومعالجتها وكيف كان يواجه ذلك بهدوء وثبات تنم عن عمق هذه الحكمة. وكان -رحمه الله- غالباً ما يكرر: لا تترك الضغوط تؤثر على قدرتك في التفكير، فالقائد الحقيقي هو من يستطيع أن يحافظ على الهدوء حتى في أحلك وأصعب المواقف.
كانت هذه واحدة من الدروس التي تعلمتها في أساليب القيادة والإدارة.. وكان -رحمه الله- مدرسة تعلمت منها الكثير.
عند وداع العظماء تظل الكلمات عاجزة عن التعبير عن مآثرهم وتظل أعمالهم شاهدة على مسيرة حافلة بالبذل والعطاء. والأمير محمد بن فهد -رحمه الله- لم يكن مسؤولاً فحسب بل كان قائداً ذا رؤية وصاحب قلب إنساني يزهر بالعطاء وتشهد على ذلك إنجازاته ومبادراته وما تركه من آثار خالدة. لقد رحل عنا الأمير محمد بن فهد -رحمه الله- لكنه ترك أثراً خالداً سيظل ينبض بالحياة، وذكريات حافلة بالخير ستبقى محفورة في قلوب من عرفوه ومن لم يعرفوه ولكن لامسوا أثره.
برحيله فقدنا رجلاً من رجال الأمة المخلصين، وفقدت المملكة قائداً أحبها واحبته، وفقدت أنا شخصياً أخاً غالياً عزيزاً ورفيق درب وسند. لكن عزاءنا في إرثه الطيب والخالد وأعماله الخيرية شاهده عليه ودعوات محبيه. ولم يكن -رحمه الله- مجرد شخصية قياديه ورائداً في العمل الإنساني بل كان أباً استثنائياً ربى أبناءه على قيم العطاء والمسؤولية. وهذا ما نراه اليوم في أبنائه الذين يواصلون مسيرته بكل فخر واعتزاز، سائلاً المولى أن يوفق صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد والذي يسير على خطى والده في خدمة الوطن والمجتمع، ويحمل إرث الحكمة والقيادة التي تميّز بها والده الراحل. والأمير تركي بن محمد ليس فقط امتدادا لإرث والده، بل هو تجسيد حي للقيم والمبادئ التي غرسها المغفور له. فمن نشأ في كنف قائد عظيم لا بد أن يحمل المسيرة بنفس القوة والعزم، ويظل الأمير تركي من مدرسة والده في الحكمة والقيادة وفي الإخلاص لخدمة الوطن والمجتمع. واليوم ونحن نشهد جهوده المتواصلة نرى في شخصه ملامح والده وهي الحنكة، الحكمة، والتواضع الممزوج بالشجاعة. فبالإضافة إلى أنه يسير على خطى والده فهو يعمل على تطوير رؤيته ليكمل مشواراً بدأه رجلٌ عظيم وليظل أسم الأمير محمد بن فهد خالداً في ذاكرة الوطن. إن أبناء الأمير محمد بن فهد -رحمه الله- تركي وخالد وعبدالعزيز سيكونون بإذن الله الامتداد الحقيقي لمسيرته، وهم من سيحملون نهج العطاء لخدمة الوطن والمجتمع الذي رفعه والدهم طوال حياته.. ليظل بذلك اسمه -رحمه الله- حاضراً بأعمال الخير والتنمية.
نسأل الله أن يغفر لعبده الأمير محمد بن فهد -رحمه الله ويسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه خير الجزاء على كل ما قدمه، و»إنا لله وإنا إليه راجعون».