ثمة في كتاب اعتصرني منه باب أو ربما كلمات يقطر من سطورها الدمع أجبرتني الكتابة في هذا، في موضوع المثالية، وما المثالية إلا صفة كثير من الناس يسعى لها، جميلة وذات رونق، ترقى بحاملها إلى الأُفق، المثالية بمعناها الحقيقي.
لكن ما قصدت الحديث عنه هنا.
النقيض! المثالية المزيفة المنفّرة.
صفة دُعاة المثالية بلا مثالية.
شُوهّت المثالية وحُرفت ونصّصنا في قوانينها الجدية والرسمية والحزم والنظام والانعزال والكتمان والغموض وعدم إلقاء بالٍ للمشاعر والأحاسيس والكثير والشديد والعميق من الصفات الجميلة التي أصبحت مقبّحة لعدم التوازن فيها!
ونسينا أننا في سهل من أمرنا ويُسر، لا تتصنع ولا تُحمّل نفسك ما لا يُطاق ولا يُستطاع، لا تحيط نفسك بمبادئ وأفكار لا عقل عاقل يتّعقلها ولا لسان منطق يفهمها بحجة ادعاء المثالية، فالمثالية موضوع ما فيه كبير أمر، المثالية عقل وقلب، علم وخُلق، اجتهاد ومرح، انصاف وتوازن، ليس إلا.
الحياة أُغنية يا هذا، استمتع بسماعها بل وتعلم كيف تجيد الرقص عليها، لا تُشدّد على نفسك، ولا تعش في تقشف، ارح قلبك وعقلك من النقائض والتّزيُف.
هناك استنكارات واستفهامات وعشرات الأسئلة تداعت في ذهني، لحملة تلك المثالية مسلوبة القيم، أتساءل مالجدير في مثاليتهم المزعومة وهي في الحقيقة وهم، زائل زاهق ذاهب متلاشِ، وهي في الحقيقة لا شيء، وهي في الحقيقة أساطير وأقاصيص واهيةُ ضعيفة ورابيةُ زائدة؟
وأتساءل إيضاً أيّ شكل تتخذ مثاليتكم هل هي جِدة وتطرُف وتكسير أبعاد لمبادئ اختلقتموها أم هي قولبة وتصنيف وتأطير جائر لها، أم مثالي يحفظ الكثير من الكلام ويهُذّه هذّاً عند استثارته وليس في قاموسه مطيّة وسبيلاً فعلاً، أم شيء وأشياء أخري
وسؤال آخر وأسئلة عديدة وثاني يلمع ينتظر جواب، يبدو أنها أسئلة لا انتهاء لها وإن قُلت الأخير فإجابته موضوع آخر له شرح يطول، حسناً سأصمتُ
مهم ولُبّ مُتني: اصنع لذاتك حرز حريز وصل بحبها إلى شغاف قلبك، وامنحها أفضل الوقت لا فُتاته، لا تُرهقها من أمرها عُسراً، كُن ثاقب الفهم عميق الإدراك، كُن صاحب قوة نفسانية وقلب ثابت فالسلوكيات انعكاسات لما تحمله القلوب، لا تشوش رؤيتك وأبذل جهدك واستفرغ ما بوسعك لتعيش ببساطة، أما أنتم يا دُعاة المثالية فأعيدوا الرونق للمثالية، أعيدوها كما كانت صفة محبذة ينسكب لها شهد الجمال وينبض لها القلب نبض صادق، ويدوزن لها فن التّحلي بشغف، وتُشنّف اذاننا بسمعها.