أصداء وطني – الرياض :

تحدث وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي في معهد “كلينخينديل” للعلاقات الدولية في لاهاي بهولندا، في كلمة تشير إلى الفرص المتاحة في عالم الطاقة المتغير، مؤكداً على ثلاث نقاط مهمة، تناولت التطورات التي شهدها قطاع الطاقة والتطورات الصناعية غير المسبوقة في المملكة، وكذلك آثار النفط الصخري على الأسواق العالمية، ثم قدم عرضاً لأفكاره ورؤاه الخاصة حول عدد من التحديات التي تواجه منظومة الطاقة في المستقبل.

وفي حديثه عن المملكة قال معالي المهندس النعيمي: “لقد أنعم الله تعالى على المملكة بموارد طبيعية هائلة، منها النفط والغاز والمعادن، وقد نجحت المملكة ولعدة عقود من الزمان في تصدير هذه الموارد الطبيعية إلى العالم بموثوقية تامة، وهو الأمر الذي ساعد في المقابل على تعزيز النمو الاقتصادي في المملكة والعالم على حدٍّ سواء.

ولكن، في الوقت الذي حققت فيه المملكة فوائد اقتصادية جمة من جراء تصدير هذه الموارد الطبيعية إلى مختلف دول العالم، إلا أن ذلك وحدَهُ لم يكن كافيًا لتوفير أعدادٍ كبيرة من الفرص الوظيفية للأعداد المتزايدة من سكان المملكة، كما إنه لا يسهم في تحقيق العائدات المرجوة للمملكة وزيادتها إلى الحد الأقصى.

ولذلك، ولهذين السببين، خطت المملكة خطوات مهمة في سبيل تمهيد الأوضاع اللازمة لوضع أسس اقتصادية بعيدة المدى وأكثر استدامة للبلاد. وتستند تلك الخطوات على إنشاء المصافي المتكاملة، والصناعات البتروكيميائية، وصناعة المعادن. فنحن في المملكة نسعى إلى تحقيق القيمة في أعمالنا واقتصادنا، وتعزيز أنشطتنا الاقتصادية، وتأسيس أعمال وأنشطة تجارية تساعدنا على تحقيق ما نصبو إليه، والعمل على خلق فرص وظيفية مستدامة للشباب السعودي.

وما ذلك إلا لأننا ندرك، في نهاية المطاف، أن شعب المملكة يمثل لنا أعظم الأصول في هذه الحياة. قد يبدو هذا الحديث غير ذي قيمة، ولكنه الإجراء الصحيح بكلِّ تأكيد. وهذا ما يجعلنا نستثمر في التعليم بصفة أشمل وأوسع، ونولي أهمية كبرى للأنشطة المتعلقة بالبحث والتطوير”.

وفيما يتعلق بالطاقة، أكد النعيمي قائلاً: “إن المملكة تعكف حاليًا على بناء مجمعات متكاملة لتكرير النفط على أحدث طراز، وذلك من خلال تأسيس مشاريع مشتركة مع شركات عالمية مرموقة. كما تعمل المملكة على تكامل هذه المجمعات مع مراكز صناعية جديدة ستعمل بدورها على تشجيع الفرص التجارية واستقطابها في جميع أنحاء المملكة. ويحضرني في هذا المقام المشاريع المشتركة التي أسستها المملكة مع شركة سوميتومو كيميكال اليابانية، وشركة توتال الفرنسية، وشركة داو كيميكال الأمريكية. كما تعمل المملكة حاليًا على بناء مجمعات صناعية متكاملة أو تطويرها وتوسعتها في كلٍّ من الجبيل ورأس الخير في شرق المملكة، وفي منطقة جازان في جنوبها، ووعد الشمال في شمال المملكة. كما تعمل المملكة أيضًا على تطوير الصناعات البتروكيميائية من أجل إنتاج موادَّ يمكن استخدامها في مجالات الصيدلة، وصناعة الدهانات والأصباغ، والمنظفات، واللدائن (البلاستيك)، والسلع الاستهلاكية، وذلك في الوقت الذي تولي فيه المملكة اهتمامًا متزايدًا لتحقيق أكبر عائد ممكن من ثرواتها المعدنية.

لقد بلغ حجم هذه المشاريع ونطاقها حدودًا غير مسبوقة، حيث ستعمل هذه المشاريع على دفع عجلة الاقتصاد السعودي، وتوفير العديد من الفرص الوظيفية لسكان المملكة، وفتح آفاق جديدة للمستثمرين، هذه الجهود تمثل مستقبل المملكة، وهي جزءٌ من إستراتيجية انتقالية متكاملة تتبناها المملكة”.

وتناولت كلمة المهندس النعيمي اهتمام المملكة بالبيئة والمناخ بقوله:”لا يُغفل كلُّ هذا التنوع الصناعي في المملكة الاهتمام الكبير والمتزايد الذي توليه المملكة للمسائل المتعلقة بالبيئة والمناخ، والمملكة محقة في تبني هذا التوجه، لأن الواقع يؤكد على أن الاعتماد على النفط والغاز سيستمر في المستقبل المنظور على أقلِّ تقدير، وستستمر الموارد الطبيعية الهائلة الموجودة في العالم في تحريك عجلة الاقتصاد في جميع دول العالم لعشرات السنين. ولذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو كيف نعمل على التخفيف من الآثار الجانبية السلبية الناجمة عن استهلاك هذه الموارد؟ شخصيًا، أعتقد اعتقادًا جازمًا أن التقنية هي الحل الرئيس لذلك.

تعمل المملكة على تبني عدد من الإجراءات في هذا المجال على جبهتي العرض والطلب، وهو ما نعتقد بأنه سيتمخض عن آثار إيجابية كبيرة مع مرور الوقت. كما إن الأبحاث مستمرة في العديد من المبادرات، مثل المبادرات المتعلقة بالطاقة الشمسية واستخلاص الكربون وتخزينه. وقد أسسنا شراكات مثمرة مع هولندا في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بالعمل على تقنية استخلاص الكربون وتخزينه، باعتبار ذلك جزءًا من مبادرات الممالك الأربع، إلى جانب مملكة النرويج والمملكة المتحدة. وأعتقد أنه لن يمكننا تحقيق أهدافنا المشتركة إلا من خلال العمل مع بعضنا البعض.

إننا نهدف بطبيعة الحال إلى مواصلة العمل بهذه السياسات الاقتصادية والصناعية على الصعيد المحلي بتناغم تام مع أولوياتنا على الصعيد الدولي، ونهدف تحديدًا إلى تأكيد مكانتنا ودورنا باعتبارنا موردًا موثوقًا وثابتًا للنفط الخام إلى جميع دول العالم”.

كما تحدث عن الآثار المحتملة للنفط الصخري، قائلاً: “أواجه من حين إلى آخر سؤالاً يتعلق بالآثار التي يمكن أن تنجم عن الاكتشافات الجديدة التي حققتها الولايات المتحدة الأمريكية على صعيد النفط الصخري على الأسواق العالمية، وخاصة على المملكة وسأكرر موقفي من ذلك هنا أمامكم. أعتقد بأن جميع مصادر الطاقة الجديدة، ومنها النفط الصخري بطبيعة الحال، تلقى منا كلَّ ترحيب وتشجيع، وذلك لعدة أسباب. فعلى المدى الطويل، سيشهد العالم زيادة سكانية مطردة، وستشهد الطبقة الوسطى أيضًا زيادة مطردة. هذه حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل. وإذا ما أضفنا إلى ذلك النمو المتسارع الذي يشهده الاقتصاد العالمي، فإنه يتضح ضرورة توفر المزيد من إمدادات الطاقة لتلبية الطلب عليها من قبل أعداد السكان المتزايدة في العالم.

في فترة ليست بعيدة، كانت ذروة إنتاج النفط تشكل الخطر الأكبر الذي يواجه العالم. فقد حاولوا إيهامنا أن النفط سينفد من على وجه هذه البسيطة. وكما ترون، اكتشف النفط الصخري وأسهم في تكذيب هذه الخرافة. لم نؤمن يومًا بحقيقة ذروة إنتاج النفط وصدقيتها، كما إننا لا نؤمن بأن التطورات الأخيرة التي طرأت في مجال النفط الصخري تعني أننا سنغرق في بحار مائجة من النفط. وكلُّ ما أتى به النفط الصخري هو أنه أوجد شعورًا بالأمن لدى العملاء، وهذا أمرٌ إيجابي بكلِّ تأكيد. وبطبيعة الحال، فإن النفط الصخري، والغاز الصخري أيضًا، جاءا ليحققا دفعة كبيرة لقطاع الصناعة الأمريكي. وفي الوقت الذي يشهد فيه الطلب العالمي زيادة مطردة على الطاقة على المدى البعيد، فإننا نؤمن بأن النفط الصخري سيضيف مزيدًا من العمق والطمأنينة للأسواق العالمية، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة استقرار الأسواق.

يحتدم الجدل حاليًا في الولايات المتحدة حول مدى قدرتها أو استعدادها للتصدير، وحول الأثر الذي قد يحدثه ذلك أو لا يحدثه على الأسعار. لا أحد يعلم شيئًا عن ذلك، ولكن، وبما أن تكلفة إنتاج مصادر الطاقة من الطبقات الصخرية مرتفعة نسبيًا، فإن النفط الصخري يساعد على تحديد حدٍّ أدنى لأسعار النفط. وهذا سيؤدي بدوره إلى تعزيز الاستثمارات طويلة الأمد التي تتطلبها صناعة الطاقة. ومن وجهة نظر سعودية، أو، بتعبير أدقّ، من وجهة نظر دولة منتجة، فإن أهم ما في الأمر يكمن في استقرار الأسعار، فالتقلبات الحادة ليست في صالح أيِّ طرف من الأطراف على الإطلاق”.