لا شك أن هناك روابط تربط بين مصائر الأفراد والمجموعات، والمجتمعات والدول، مما يجعلنا نقول إن لنا مصائر مشتركة يمكن أن تؤثر على طريقة حياة كل منا بالسلب والإيجاب، وهو الأمر الذي يتوقف على مدى تعاون كل فرد ضمن المنظومة الأعم والأشمل المحيطة به. يمكن أن نمثل هذا المصير المشترك، ببناء يمكنك أن تنزع عنه قالباً من القوالب، لكنك لا يمكنك أن تنزع عنه عموداً من أعمدته الرئيسية وإلا يفقد هذا البناء قدرته على الوجود ويسقط .
بالتالي لا يمكن أن ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا منفصلين ومنعزلين عن مجتمعنا المحيط بنا، بل إننا نتحمل مسؤوليتنا تجاه العمل على رفعته وتحسينه ومعالجة كافة المشكلات التي يتعرض لها بالتعاون مع أفراد آخرين. يتمثل ذلك أيضاً على صعيد الأسرة، والتي تؤثر تصرفات كل فرد فيها على الأسرة ككل، فتزيدها تماسكاً أو تعمل على انهيارها وتعرضها للمشكلات.
ويتجاوز أيضاً المصير المشترك المستوى الفردي ليدخل على مستويات أخرى منها، الاقتصادي، والسياسي، والأمني. من ذلك ما رأيناه قد ظهر من خلال تكوين الجمعيات، والمنظمات التي تجمع بين العديد من المشاركين بهدف تبادل الآراء واستعراض المشكلات، والعمل على حلها.
لا نستطيع أيضاً أن نتغاضى أو نبتعد عن قضايا أمتنا وجيراننا ومحيطنا، حيث إننا عضو فاعل في كل ذلك نتأثر به ونؤثر فيه، في إطار من السعي نحو مساعدة الآخر وتقديم النصيحة وكافة أشكال المساعدة التي يمكننا أن نقدمها، وهو ما يعكس الرغبة في استظهار مصائرنا المشتركة وتلاحم تجاربنا الانسانية.
وتتعاظم في الوقت الراهن أهمية رسالة التعاون والمودة والاحترام، والمساندة، والمحافظة على التراث، وتجاوز مشاعر الخوف من الآخر التي تتملكنا أحياناً، ومعالجة كافة مظاهر الشروخ الاجتماعية الذي يحلو لبعض الناس الاستمرار فيه دون أن يضيرهم في شيء، وربما يرجع السبب في ذلك إلى غياب أي وخز من ضمير.
لقد طالعنا الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وتفاقهما واستفحالها مع توالي الأيام، مما يوضح هشاشة الوضع الاقتصادي العالمي في كافة تجلياته، ويذكي من جديد جذوة مخاطر الإقصاء ونبذ الآخر والخوف المرضي من الإسلام. وهي المخاطر التي غالبا ما نرى رأي العين إرهاصاتها المقلقة تنتشر في أغلب بقاع العالم، بكل ما تحمله من مظاهر شديدة الخطورة على مبدأ قبول الآخر. لذا، آن الأوان لنا كي نتعاون وندرك أن مصيرنا مشترك.
وإذا ما نظرنا الى النداءات التي يوجهها خادم الحرمين الشريفين في جميع المحافل الخليجية والعربية والدولية نجدها تدعو الى التعاون والمصير المشترك لمواجهة جميع المخاطر والكوارث والفتن التي تعصف بأرواح الأبرياء وثروات الشعوب وتدمر الأمم. والحرص على الوقوف صفاً واحداً في مواجهة أي من هذه المخاطر التي تتعرض لها الدول العربية والأمة الإسلامية والتي تتطلب العمل وتنسيق الجهود وتعزيز التعاون الأمني، خصوصاً بين دول مجلس التعاون في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات ومستجدات أمنية. ولمواجهة هذه التحديات لدفع مسيرة دول الخليج وتحديد مصيرها المشترك للنهوض في مجالات أوسع من العمل الخليجي المشترك. والبناء والعمل على تحقيق المزيد من الإنجازات وتقديم أفضل الخدمات لمواطني دول المجلس كافة.
إن العالم لا يزال في حاجة إلى من يعمل على مد الجسور وحاجته تلك تنبع من رغبته وأمله في أن تندمل يوما ما جراح هذه الحقبة التي تعرضنا خلالها لخطر التقهقر والانحسار بذريعة نشوب صدام الحضارات، وبسبب اللجوء إلى التوظيف المغرض للعقائد الدينية في تدمير المجتمعات. تلك هي الغاية المثلى التي ينبغي السعي إلى تجسيدها من خلال المزاوجة بين كافة الهويات والثقافات لجعلها تنصهر في بوتقة ثقافة واحدة أو مجموعة من الثقافات المشتركة، لنتصور ما ينبغي أن يكون عليه مصيرنا المشترك، والذي قوامه الإنصات للآخر والمزاوجة بين كل ما نزخر به من مقومات التنوع ومظاهر الاختلاف. ولابد أن نعرف أن القاسم المشترك في المجموعة، هو التشبث الخفي ببساطة الحياة، ونبذ المبالغات في هذا العصر، سواء في العقيدة أو الاستهلاك أو التكنولوجيا. لا يجب أبداً غض النظر عن حقيقة أساسية وهي اننا نعيش في عالم تترابط فيه مصائرنا وتقوينا اختلافاتنا وتوحدنا الآمال المشتركة للمستقبل.