شارك الصالون الثقافي النسائي بأدبي جدة مع العالم احتفالية انتهاء الحرب العالمية الأولي الأحد 11/ 11/ 2018م بسرد حياة الأديب الراحل عزيز ضياء ” رحلة البدء والمنتهى” باستضافة ابنته المستشارة الإعلامية دلال عزيز ضياء، في بداية الأمسية تحدثت نبيلة محجوب مديرة الندوة والمشرفة على الصالون الثقافي النسائي بأدبي جدة عن دور الأديب الراحل في تأسيس الأندية الأدبية في المملكة، ثم تحدثت دلال ضياء عن رحلة والدها التي صادفت اليوم مائة عام، حيث اختارت له الأقدار أن يرى النور مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، إنها الحرب بكل بشاعتها:” كم هو قاسي وموجع أن يسكنك الجوع فتحس به يضربك كزلزال ويحولك إلى مخلوق ما ينفك عن الحلم بكسرة خبز حتى لو كانت جافة متسخة بالتراب، أن يسكنك الجوع مصرا على عدم مفارقتك ولو ازددت لقيمات”، توجز ويلات الحرب وجروحها العميقة في وعي الطفل آنذاك، هي قصة التفاهة كما وصفها عزيز ضياء في ثلاثية ” حياتي مع الجوع والحب والحرب”، آخر ماكتب، يرويها بكثير من الدقة والتجرد وبقدرة على المصارحة والمواجهة مع النفس. تقول: كقارئة وقبلها كمعاصرة لمراحل كتابة هذا المؤلف أكاد أعرف كثيرا من التفاصيل التي كانت في أغلب الأحيان موضوعات اعتاد أن يرويها لنا ونحن نتحلق على مائدة العشاء التي كان يفضل أن نجتمع حولها كل مساء، أو نقضي أمسيات تجمعنا به في مجلس الأسرة. وأكملت دلال قائلة: من ذا الذي يملك أن يضع أجوبة منطقية تقنع طفلا لم يبلغ الخامسة بعد؟ ثم من هو المتفرغ لسماع تساؤلات طفل؟ تتحدث عن طفولة والدها: مضت طفولته تلفها دفقات حب مفتقد، عبثا ظل يبحث عنه فلا يجد من يمنحه إياه. وتظل الأسئلة تتزاحم في رأسه الصغير تنمو وتكبر مع سيره في أزقة الحياة بمنعرجاتها وتقاطعاتها لكن تبقى أيامه الأولى على أعتاب الحياة محفورة تأبى التجارب المتسعة العريضة أن تمحوها أو تطغى عليها، ولعل بعض ممن عاشوا في المدينة المنورة يستدعون الآن تلك الرائحة أو النكهة الخاصة التي ظلت الذاكرة تحتفظ بها كلما أطلت علينا ذكريات تلك الأزقة الضيقة والأحواش والسقيفات في مدينتنا الحبيبة نعم كان هناك عبق ما يغلف المكان عبق لا أعرف كيف أصفه الآن يهمس لك بأنه عبق المدينة شديد الخصوصية والتفرد وتظل ذاكرتك تحفظه في أعماقها وتجاويفها داخل النفس
صحيح لم يقدر لي أن أعيش في كنفها وبين أحيائها وأزقتها لكنني أذكر جيدا أن الوالد كان يحرص على اصطحابنا الى المدينة كلما تيسر له ذلك وفي كل مرة كان يأخذنا إلى جولة يتردد خلالها على مراتع الطفولة وبواكير الشباب ليسرد علينا تفاصيل مشاهد اندثرت وأتى عليها الزمن. وكثيرا ما كنت أسمعه يهمس لنفسه هنا كان دكان العم عابدين وفي آخر ذلك الزقاق كان بيت الخالة فاطمة جادة وفي صدر ذلك الحوش كان بيت رفيقى محمد سعيد.
زقاق القفل مسقط رأسه أحد أزقة المدينة المنورة في محلة الساحة تلك التي لم يبق منها شيء اليوم مع حركة الاعمار والتحديث، زقاق تتراص على جانبيه البيوت الحجرية وتتخلله تقاطعات وفتحات تؤدي إلى أزقة أخرى تنفرج عن أحواش تجمع بيتين أو ثلاثة. تضيف قائلة: كنت أتساءل دائما ما السّر في هذا الارتباط العاطفي بل والرومانسي بتلك المرحلة المبكرة من عمره التى شهدت مولده والعقد الاول ومنتصف العقد الثاني من عمره رغم أن مراحل حياته الأخرى قد حفلت بالكثير من الاحداث والتحولات والمفاجآت وأيضا الانكسارات
أهو ارتباط الانسان بمسقط رأسه مهما ارتحل وباعدت بينه وبين المكان الظروف والحوادث والنقلات الدرامية فيظل مسقط الرأس يرسل بظلاله على القادم من الأيام؟ أهو ذلك الحبل السري المشحون على وهنه وقصره بزخات عشق غريزي ما زالت تشكل مكونات الإنسان غير القابلة للذوبان ومن ثم البقاء والتواري في زاوية من الوجدان رغم جسامة الاحداث على مدى سنوات العمر ربما؟
سردت ضياء الكثير من المعاني وقيم الانتماء لهذا الوطن التي غرستها في وعيه والدته التي أصرت على العودة إلى المدينة معه بعد فقد أربعة من أسرتهم خلال رحلة الهروب من الحرب. تقول: كانت رحلة العودة هذه المرة بدون البابور وإنما بوسائل نقل مختلفة في دروب كان الزاد فيها شحيحا والجيب ليس به من المال سوى بضعة جنيهات هى كل ما تبقى لهما يستعينان به لإكمال الرحلة الشاقة، الفجر لاح وهاهما قد شارفا أبيار علي وسور المدينة يبدو لهما مع تباشير الصباح، يسمع والدته تطلب من الجمال أن يتوقف تنزل وتسارع إلى إبريق الماء تتوضأ و وتأمره أن يفعل مثلها فيطيع تؤدي صلاة الفجر وعدة ركعات شكرا لله ثم تنحني على الأرض لتلعق التراب تراب المدينة ثلاث مرات، الدموع تنهمر من عينيها وهي تردد الحمد لله الحمد وتعيد البيشة تسدلها على وجهها وتحكم ترتيب القنعة استعدادا لدخول المدينة بعد أن أكرمها الله بالعودة إلى الديار.
يقول والدي رحمه الله:ــ كان ذلك المشهد هو الدرس الأول الذي مثّل لي معنى الانتماء إلى الوطن ولعله هو المشهد الذي ظل راسخا في ذاكرته لمفهوم الارتباط بأرض ما ووطن ما ومكان ما دون سائر الدنيا.
سردت ضياء رحلة والدها إلى مكة لطلب الرزق، وارتحاله إلى مصر وبيروت والهند، وكيف أثرت تلك الحياة على شخصيته وفكره وصنعت عزيز ضياء الأب والأديب الانسان، حظي اللقاء بالعديد من الأسئلة والمداخلات والمقترحات لعودة دلال ضياء ببرنامج تلفزيوني يبث من إحدى القنوات، داخلت كل من: فوزية خياط، فريدة شطا، د/ مي مجذوب، سحر نصيف، عبير عطوة، د/ سحر السبهان، د/ مريم الصبان، إيمان السليماني، د، ابتسام حلواني، أسماء جمال، غادة التواتي، إنتصار العقيل، شاهيناز صبان، شاهيناز باحارث، سعاد قنديل.
يقيم الصالون الثقافي بأدبي جدة الأحد 25 نوفمبر 2018م/17 ربيع الأول 1440هـ، أمسية شعرية فنية ” على ذمة الأشواق” للشاعرة أشواق الغامدي مع عزف موسيقي وقصائد مغناه بأصوات: ليان نقلي، لينا الغامدي وسمية الوهابي، سارة عمر، بالشراكة مع مؤسسة الستارة البيضاء.