عبدالله المغلوث
تسأل ابنة عمي صغيرتها ألا تغلق عينيها أمام الآخرين. توبخها عندما تقوم بكتابة الأحرف فوق بعضها. تزجرها لأنها تقضي وقتاً طويلاً في حل واجباتها بعد أن تعيدها غير مرة قبل أن تنجح. تجرها إلى الخلف كأنها قطعة أثاث كلما شاهدتها ملتصقة أمام التلفزيون لمشاهدة مسلسلها الكرتوني المفضل.
فشل عنف ابنة عمي في ردع طفلتها من تكرار هذه السلوكيات التي أقضت مضجعها، بل تضاعفت مشكلات الصغيرة. أضحت تكره المدرسة والواجبات وأمها. تستيقظ الصغيرة من نومها بعد بكاء ونحيب طويل. تذهب إلى المدرسة وهي تجر أذيال الحزن. استنفدت قريبتي كل النصائح، التي استقبلتها من زميلاتها وجاراتها بلا فائدة. انهارت الأم والابنة معاً.
تدخل الأب أخيراً وعرض الابنة الصغيرة على طبيب نفسي؛ لعله يجد حلاً ناجعاً يُوقف نزيف زوجته وابنته. فور أن استمع الطبيب النفسي إلى معاناة الطفلة قال لأبيها إن حل مشكلته ليس لديه، لكن لدى طبيب العيون. اقترح الطبيب النفسي أن يأخذ الأب ابنته لطبيب عيون؛ ليكشف على نظرها ويرى إذا كانت تحتاج إلى نظارة أو أي علاج آخر؛ لأنه يعتقد أنه سبب المشكلة. صدق الطبيب النفسي. لقد اكتشف الأبوان بعد أن خضعت الابنة لفحص لعينيها أنها تعاني قصر نظر كان خلف هذه الأزمة المشتعلة.
ارتدت الصغيرة النظارة وانطفأت المعاناة تدريجياً.
لكن تظل معاناتنا مع “قصر النظر” قائمة في مجتمعاتنا. فمع الأسف الكثير من مدارسنا وعائلاتنا لا تقوم بأدوارها على أكمل وجه. تمارس العنف بأشكال وصور مختلفة تجاه الصغار. لا تُخضع الأطفال إلى اختبارات أساسية دورية في القدرات كالنظر والسمع والنطق. عدم القيام بهذه الاختبارات يفقدنا نضارة أطفالنا ويسلبنا مستقبلهم بعد أن تهتز ثقتهم بأنفسهم بسبب إهمال أو قصور في التفاعل مع معاناتهم المخبوءة.
قصر النظر لا يقتصر على إجراء هذه الاختبارات التي تتبناها الكثير من الدول الغربية، وإنما أيضا في طريقة تعاطينا مع تحديات أبنائنا.
فمَن لا يركز في قراءته أو يفرط في حركته قد لا يكون طفلاً شقياً فحسب، وإنما قد يكون طفلاً في حاجة إلى الخضوع إلى فحوص يحدّدها طبيب قد تتطلب تدخلاً طبياً مبكراً يساعد أولياء أمره على تحسُّن حالته.
التعامل مع تحديات الأطفال بارتجال واجتهاد شخصي هو قصر النظر الذي سيفضي إلى مستقبل ضبابي. ما حدث لطفلة ابنة عمي جعلني أعيد حساباتي كثيراً في ردود أفعالي تجاه أي تقصير أراه في صغير أو كبير. علينا أن نحسن الظن بالآخرين، فما قد نراه تقصيراً أو إهمالاً من شخص قد يكون ناتجاً من حالة مرضية أو معاناة لا نعرفها وربما لا يعرفها صاحبها.
ثمة قصر نظر نقترفه في حق الأشخاص عندما نسيء الظن بهم، ونحكم عليهم من زاوية واحدة لا تعطينا الصورة كاملة.