في حين يطالب أعضاء بمجلس الشورى بسحب المياه التي تحتوي على نسب عالية من مادة (البرومات) المسرطنة من الأسواق، ترصد الصحف تحذيرات للمستهلك من هيئة الغذاء والدواء بتجنب شرب مياه 14 مصنعا عاملا في المملكة، والتخلص من أي كميات من المياه توجد لدى المستهلكين. كيف بالله عليكم نفهم ذلك أو نتعامل معه، أو كيف تحذر هيئة الغذاء والدواء من هذه المياه ثم تترك للبيع بالأطنان في أسواقنا وبقالاتنا؟
المستهلك هذا المخلوق الضعيف أمام قدرة التجار وجبروتهم يسف هذه المياه سفا. وهي ليست مياه مصنع واحد بل 14 مصنعا تحمل أسماء متعددة، أي تقريبا كل المياه المعبأة صناعيا في المملكة. وما دام الأمر يقتصر على التحذير فلا نتوقع طبعا أن يتحسس ضمير هذه المصانع أو موزعي هذه المياه فيقفلون حنفياتهم السامة أو يكفوا عن استخدام مادة (البرومات). وأصلا نحن كمستهلكين لا نعرف ما هي هذه المادة ولا نريد أن نعرف لأنه ليس شغلنا، بل شغل الهيئة وشغل جهات رقابية أخرى معنية بسلامة أغذيتنا ومياهنا وصحتنا وأرواحنا.
واستمرار هذه الحالة في التعامل مع المستهلك ككرة يتقاذفها المسؤولون هنا وهناك لن يوقف هذا الاستهتار وهذا الهدر في صحة الناس. وإذا كانت الهيئة المعنية لا تملك مرجعيات نظامية تستند عليها لتنفيذ أعمالها فلماذا أصلا وجدت؟! الكلام الكثير والكبير عن التشريعات والقوانين شبعنا ومللنا منه، وأصبحنا بحاجة ملحة لأن ننتقل إلى مراحل تنفيذ جادة وحقيقية تنقذ رقاب الناس من قبضة التجار المستهترين والمتلاعبين بجيوبهم وصحتهم.
ثم إن الهيئة بمقدورها أن تفعل كما تفعل كل الهيئات المشابهة لها في العالم بأن تختم (الماء النظيف) وغيره من سلع الاستهلاك الغذائية والطبية بختمها لتمنحها ثقة تمنعها عن سلع ليست موثوقة أو مشكوك بسلامتها وآثارها على الناس. وأظن في هذه الحالة فقط سيفكر تاجر الماء المسرطن وكل تجار السلع الرديئة مليون مرة قبل أن يدفعوا بمنتجاتهم إلى الأسواق.
وقد جربت ــ مثل غيري ــ كيف تفرض هيئة الغذاء والدواء الأمريكية حضورها القوي على تجار الأغذية والأدوية هناك، إلى درجة أن المعلن عن أية سلعة غذائية أو دوائية لا بد أن يرفق إعلانه التجاري بالإشارة إلى أن هذه السلعة لم تجز من الهيئة. وذلك من أجل ألا يخدع الناس ومن أجل أن تبيض الهيئة ساحتها إن حدث أثر سيئ من سلعة لم تجزها.
وإذا كنا نقدر لهيئة غذائنا ودوائنا جهودها، إلا أنها يجب أن تعترف بأوجه قصورها وتأخرها كثيرا في الحصول على الأنظمة والتشريعات التي تحتاجها. كما تتأخر كثيرا الآن عن فرض اشتراطاتها واسمها على سلع الغذاء والدواء.. ونحن كمستهلكين ننتظر الفرج والعافية.