نحن في عصر السرعة والجودة والإنجاز، هذا لسان حال المسؤولين في المؤسسات والهيئات الحكومية، ولأجل ذلك، بدأ بعض هؤلاء المسؤولين بالعمل على مؤشرات الأداء والخطط الإستراتيجية الموجهة نحو تحقيق الأهداف، ولكن هناك بعض الأمور التي قد يتم تجاهلها عند تنفيذ هذه الخطط والإستراتيجيات؛ لأنها قد تسبب هدرا للوقت وتغيرا في بوصلة النجاح، ومنها ما تنبهت له مجلة هارفارد بزنس الشهيرة، فقد نشرت في عددها الأخير مقالاً بعنوان (لا تجعلوا مقاييس الأداء تقوض أعمال مؤسساتكم)، ولستُ هنا بصددِ تحليل المقال، بقدر ما أريد أن أستعير أفكاره بطريقة وطرح آخر. فعند وضع الخطط الإستراتيجية تكون البداية جميلة، وعلى أسس علمية ومدروسة ومخطط لها سواء من حيث بناء الرؤية أو الرسالة أو الهدف الإستراتيجي وما إلى ذلك، لكن هذه الخطط تركز بشكل كبير على مؤشرات كمية ورقمية تحققها وتقيس نجاحها بناءً على ذلك، فمتى تحقق هذا الرقم الذي تم وضعه في الأهداف تكون المؤسسة قد حققت الإنجاز الذي تصبو إليه. وعلى الرغم أن جانباً من هذا الأمر قد يكون منطقيا ومتطلبا خاصةً في الجوانب المالية، إلا أنه قد لا يكون لهذا الأمر جدوى أو أثر مستدام سواء على المدى القريب أو البعيد، حيث إن مؤشرات الأداء تقودنا في هذا الأمر إلى الكم وليس الكيف وإلى الجهد وليس الأثر، فمن خلال بعض التجارب مع بعض المؤسسات التي تعاملت معها، وجدتُ أن بعض هذه المؤسسات تغفل كثيراً عناصر مهمة في بناء المؤشرات أو الخطط الإستراتيجية، ومن بين تلك العناصر ثلاث نقاط يجب العمل عليها عند بناء المؤشرات، وأن يكون لها ترابط بشكل قوي لضمان الاستدامة التطويرية لأي مؤسسة أو منظمة، وتحقق الأثر المطلوب بشكل حرفي، وهذه العناصر تتمثل في (الجودة – الأثر – السمعة)، فلو افترضنا أن أحد أهدف المؤسسات التعليمية تخريج ألف طالب في أكثر من تخصص خلال فترة زمنية محددة، ومن أجل ذلك صاغت أهدافها على تحقيق هذا الرقم دون النظر إلى الكيفية التي سيتم تخريج هؤلاء الطلبة بها، وأقصد هنا بكيفية جودة التعليم المعرفي والمهاري للطالب، فهل حققت معايير الجودة والإتقان من حيث المضمون في المسيرة التعليمية أم أن مفهوم الجودة هنا مقتصر على تقديم مفردات بالية وأساليب تقليدية لا تحقق متطلبات العصر؟. الأمر الثاني هو الأثر المطلوب، وهذا الأمر تغفله الكثير من المؤسسات خلال صناعة الأهداف، فقياس الأثر يحتاج إلى أدوات لمعرفة التأثير سواء كان على الطلبة وكيفية استفادتهم من المعارف التي تلقوها أو على مستوى المخرجات النهائية للعملية التعليمية، فالأثر دائماً يُقاس بشقين مستوى قريب أو على المستوى البعيد، وهو ما ينبغي التحضير له، فقياس الأثر هنا ليس المقصود به عدد الذين تخرجوا من الطلبة بقدر ما هو الأثر المراد من تخرجهم، والسمعة التي قد تلحق بالجامعة على المدى البعيد، وهذا يقودنا إلى العنصر الثالث الذي سبق أن تطرقت له في مقال سابق وهو السمعة: فما الذي يجعل السمعة عظيمة وقوية؟. هناك ستة مفاتيح لتلك السمعة، هي: (الحفاظ على ثقة العميل، الابتكار المستمر، صناعة السعادة للموظفين والعاملين، المحافظ على السمعة والمسؤولية أو الشراكة المجتمعية، وجود قائد فريق عمل قوي، وسادسا الاستمرار في التواصل مع الجمهور عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي). إن مؤشرات الأداء وقياسها عندما تأخذ بعين الاعتبار هذه العناصر في أهدافها وصياغة خريطتها العملية ستجد أن النجاح حليفها، ودليل ذلك جامعة هارفارد التي تعد أعرق الجامعات الأميركية، وإحدى أقدم جامعات العالم وأفضلها، وأكبر جامعة في العالم من حيث المساحة والتجهيزات، واحتلت المرتبة الأولى في قائمة أفضل 100 جامعة في العالم، متقدمة على جامعتي كامبردج وأوكسفورد البريطانيتين، وقد ركزت هذه الجامعة على الجودة والأثر والسمعة في مسيرتها العملية.