في أحد الأيام و قبل شروق الشمس وصل صياد إلى النهر ، و بينما كان على الضفة تعثر بشئ ما كان عبارة عن كيس مملوء بالحجارة الصغيرة ، فحمل الكيس ووضع شبكته جانباً ، وجلس ينتظر شروق الشمس ليبدأ عمله، حمل الكيس بكسل وأخذ منه حجراً و رماه في النهر ، وهكذا أخذ يرمى الأحجار حجراً بعد الآخر، أحبّ صوت اصطدام الحجارة بالماء ، ولهذا استمر بإلقاء الحجارة في الماء ، عندما سطعت الشمس أنارت المكان ، و كان الصياد قد رمى كلّ الحجارة ماعدا حجراً واحداً بقي في يده ، وحين أمعن النظر فيما يحمله لم يصدق ما رأت عيناه ! لقد كان يحمل ماساً !
نعم يا إلهي لقد رمى كيساً كاملاً من الماس في النهر ، و لم يبق سوى قطعة واحدة في يده ؛ فأخذ يبكي ويندب حظّه التّعس لقد تعثّرت قدماه بثروة كبيرة كانت ستقلب حياته رأساً على عقب و لكنّه وسط الظّلام ، رماها كلها دون أدنى انتباه ، لكنه لازال محظوظاً ! فما زال يملك ماسةً واحدة !
هذه القصة تصور طريقة تعاطينا مع أيام حياتنا . فحياتنا كحبات الماس ونحن مثل الصياد والنهر عبارة عن اللحظات التي نضيعها وتذهب في طي النسيان إلى الأبد ولا تعود !
فن عيش اللحظة إحدى الفنون التي نفتقدها كثيراً في أيامنا هذه . فمن الناس من يعيش أسيراً لأحداث مضت ويستذكر أحداثها مراراً وتكراراً فيفسد بذلك أثمن اللحظات ويجعلها تذهب سدىً في طي النسيان فلا هو الذي غير ماضيه ولا هو الذي استمتع بحاضره .
ومن الناس من يأخذ منه الخوف والقلق كل مأخذ ، فتجده خائفاً من المستقبل المجهول والذي يحمل ، من وجهة نظره ، أموراً سلبية فيبدأ بالتفكير مصحوباً بقلقٍ يجري في كلٍ زاويةٍ من نفسه فيقتلع منها زهور الفرح ، مع أنَّه لو فكر قليلاً لوجد أنَّ اللحظة التي هو فيها الآن كانت في يومٍ من الأيام المستقبل المخيف المرعب الذي أقضَّ مضجعه ، مع أنَّ أغلب ما نخاف منه لا يقع لأنها مجرد مخاوف موجودة في أذهاننا !
وهناك أناس أشغلهم ثوثيق اللحظة في مواقع التواصل الاجتماعي عن عيشها ، فهم في اللحظة حاضرون ولكنهم لا يعيشونها لأنَّ جُلَّ تفكيرهم مُنْصَبٌ على أن تكون اللحظة موثقةٌ بطريقة تلفت الأنظار على منصات التواصل الإجتماعي ، وبالتالي الحصول على أكبر عددٍ من الإعجابات والتعليقات ، ولكنهم لا يعلمون أن دقائق عمرهم وساعاتها كالجواهر الثمينة التي تُلقى في نهر النسيان . إنَّ مشكلتنا الحقيقة مع التقنية الحديثة أننا أسأنا استخدامها فجعلناها وسيلة لتوثيق اللحظة بدلاً من عيشها بكل تفاصيلها .
عموماً أياً كان وضع أولئك ، الذين تفننوا في وأد لحظاتهم الحاضرة ، سواءاً من يفكر بماضيه أو من يخاف من قادم الأيام أو من شغل نفسه بتوثيق لحظاته فإنهم يحتاجون إلى فنٍ بسيط ألا وهو فن عيش اللحظة !
فكم من لحظةٍ أضعناها كانت تحمل في طياتها سعادةً لا حدود لها وكان بإمكاننا أن نتذكرها ما بقي في عمرنا من أيام !
وكم من أناسٍ أحببناهم ولكننا حرمناهم أثمن اللحظات بسبب حضورنا كأجسام فقط معهم في حين أن أرواحنا وتفكيرنا أبعد عنهم بُعْدَ السماء عن الأرض !
أرجوك يا صديقي القاريء أن لا تضيع من يديك حبات الماس ، كما فعل الصياد ، وتلقيها في النهر ثم تدرك في وقتٍ متأخرٍ من العمر أنك أضعتَ جواهر ثمينة وأن لا تشعر فتندب حظك وتندم حين لا ينفع الندم !
أدعوك لأنْ تبدع وتتفنن في عيش اللحظة بدلاً من إهدارها وستجد أنك قد صنعتَ سعادتك أولاً وسعادة من تحب ثانياً ، كما ستجد أن حياتك ستمتليء بالذكريات الجميلة والتي ستخلدها كحبات الماس في صندوق الذاكرة !