• 06:43:36pm

أحدث الموضوعات

أتمنى أنْ أكون جوالاً !

تعليقات : 0

أصداء الخليج
بقلم / محمد الملاحي 

يشهد العالم تطوراً تقنياً هائلاً في شتى مجالات الحياة ، الأمر الذي جعل حياتنا مختلفةً تماماً عن الماضي . و لا شك أنَّ هذا التطور له إيجابيات كثيرة فقد أصبحت أمور الحياة أكثر سهولة وأصبح إنجاز المهام لا يكلفنا سوى ضغطة زر ، كما أنه أصبح من السهل الحصول على المعلومة ، فهناك المئات من الدورات التي تقام عن بُعد و لا يلزم الشخص حضورها ، كما أنَّ التقدم في المجال الطبي هائل لا يتسع المقام لذكر بعض التفاصيل هنا ، وغيرها الكثير من المخترعات التي لم نكن حتى في خيالنا نتصور وجودها

وفِي المقابل ألقتْ تلك المخترعات بظلالها على العلاقات بين أفراد الأسرة بشكلٍ خاص والمجتمع بشكلٍ عام . نأخذ على سبيل المثال الأجهزة الذكية ، أو ما نسميها بالجوال . فلو تأملنا حال الكثير من الناس لوجدنا أنَّ لديهم عالمهم الإفتراضي الخاص بهم على مواقع التواصل الاجتماعي و بالتالي فإنَّ ذلك يؤثر سلباً على عالمهم الواقعي ، وتصبح علاقتهم مع من يحيطون بهم ضعيفة وقد تكون في كثيرٍ من الأحيان شبه معدومة . و يظهر ذلك جلياً في المناسبات الإجتماعية والإجتماعات العائلية فتجد كل شخص ينظر إلى جهازه ويتفاعل معه في حين أنه لا ينطق كلمة واحدة مع الشخص الذي بجواره . إنهم مع الأسف حاضرون بأجسادهم فقط . وما أدق  التشبيه الذي يصف هذه الحالة ، رغم أنه مؤلم ، بأنهم كالصناديق المرصوفة بجوار بعضها ولا يعرف كل شخص ما بداخل من بجواره

أصبحنا مع الأسف نفتقد في كثيرٍ من الأحيان إلى أبسط مقومات التواصل البشري ، ومما يزيد الطين بلةً حين يكون التواصل مفقوداً بين أفراد الأسرة وخصوصاً بين الآباء والأمهات من جهة والأبناء والبنات من جهةٍ أخرى ، و لاشك فإن لقلة التواصل أو انعدامه أثرٌ سلبي في نفوس الأبناء . والقصة التالية تصور ما أرمي إليه . أترككم مع قصة تلك الأمنية الغريبة لهذا الابن ولنا بعد القصة لقاء .

في نهاية الدوام المدرسي جلستْ المدرسة في بيتها تراجع ماكتبه طلبتها واسترعت نظرها رسالة بعينها ، وما إن انتهت منها حتى امتلأت مآقيها  بالدموع تأثراً بما قرأت . وفي تلك اللحظة دخل زوجها عائداً من عمله وشاهد تأثرها الشديد فسألها عما حدث ومدت له يدها بورقة الإجابة وطلبت منه قراءتها

فقرأ الرسالة التي تقول : 

يا إلهي سأطلب منك شيئاً خاصاً جداً ،  أريد أن تحولني الى جهاز جوال وأن آخذ مكانه في البيت وأن عيش مثله في بيتنا ، وأن يكون لي مكانةٌ خاصةٌ بي وأن تجتمع عائلتي حولي وأن أُعامل بجدية عندما أتحدث وأن أكون مركز الاهتمام وأن لا أُقاطَعْ عندما أسأل وأن أتلقى العناية نفسها التي يحظى بها جهاز الجوال عندما لا يعمل لسبب أو لآخر ، وأن أستمتع برفقة والدي عندما يعود إلى البيت مساءاً حتى عندما يكون متعباً . وأن تتعلق بي أمي حتى وهي حزينة او متكدرة بدل من كل عدم الاهتمام الذي ألقاه الآن !

كما أريد يا ألهي من أخي أن يتعارك من أجل أن يكون معي وأن أشعر أنَّ عائلتي بين الفترة والأخرى تترك كل شئ فقط لتقضي بعض الوقت معيوأخيراً أتمني أن أجعلهم جميعاً سعداء ، و أتمنى أن لا أكون قد بالغت في طلبي فما أريده هو  أن أعيش كجهاز جوال ولو ليومٍ واحد

وما أن انتهى الزوج من قراءة الرسالة حتى قال متأثرا : شئ محزن ياله من طفل حزين ووالدين تعيسين ، ولكني لا أجد الأمر يستحق كل هذا الحزن فردت عليه : كاتب هذه المقالة هو ابننا

هذه القصة رغم أنها محزنة و صادمة في الوقت ذاته إلا أنها تعكس حالة كثيرٍ من الأسر ، ويرجع سبب ذلك إلى انشغال الآباء والأمهات بعالمٍ افتراضي عزلهم عن عالمهم الواقعي

و أنا في هذا المقام لا أدعي أنَّ الأجهزة الذكية سيئة بحد ذاتها ، أو أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي شرٌّ محض ، لا ليس هذا ما أقصده ، بل على العكس هذه الأجهزة ومواقع التواصل فيها من الخير والأمور النافعة الكثير ، ولكنَّ الذي أريد تسليط الضوء عليه هو طريقة تعاطي الكثير مع هذه التقنية والإفراط فيها على حساب أمورٍ هامةٍ جداً

ومن هذا المقام أدعو نفسي أولاً ، فأنا لستُ بمنأى عن ذلك ، وأدعوك عزيزي القاريء من هذه اللحظة أن لا تؤجل الإفصاح عن مشاعرك لأفراد أسرتك . أرجوك ، يا صديقي ، أطلق كلمات الحبِّ والاحترام والتقدير المدفونة في نفسك ، واجعلها تحلق في نفوس من تحب ومن هم حولك

أرجوك ، يا صديقي ، أن ترسم البسمة على وجوه من حولك بالإهتمام والرعاية والتواصل والاستماع لهم . دعهم يتكلمون بأريحية و يعبرون عمَّا في نفوسهم

نريد أنْ نشعر بأننَّا بشر نتبادل أطراف الحديث ونضحك ونبتسم

يكفي بُعداً

يكفي انشغالاً

يكفي إفراطاً في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية

لأنه لو استمر الوضع على ماهو عليه ، لا سمح الله ، ستصبح أسمى أمنيات أبنائنا أن يكونوا جهازاً ذكياً ولو ليومٍ واحد حتى يحصلوا على اهتمامنا الذي طال انتظاره

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط comments are disable

يوسف أحمد الحسن

بقلم : فيصل بن مقبل المسند

قصة كتبها : سيف الوايل

د.سعود بن صالح المصيبيح

يوسف الذكرالله

يوسف أحمد الحسن

يوسف أحمد الحسن

بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

لواء . محمد مرعي العمري

التغريدات