د . خالد الحليبي
منذ أن عرفت الأرض التجمعات البشرية، التي كانت شعوبا وقبائل، ثم أصبحت دولا وممالك، وهي تصنع الرموز؛ لتقودها إلى ما تريد من الحماية، والبناء، والإصلاح.
وتتنوع الرموز بتنوع أنماط القيادات، والاحتياجات البشرية، ولكل قوم قائد رمز، يخلد في سجلات المجد الوطني، يكون هو مؤسس الكيان، كما كان (ابن سعود)؛ وكما كان يطلق عليه قادة العالم في عصره، أعني الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله تعالى- وكل ملك من أبنائه مثل رمزا وطنيا في عصره، خلد له آثارا، وأسهم في تقدم هذا الكيان العملاق بما يتيسر من معطيات التقدم التي اجتذبها إلى بلاده.
ويأتي بعد الرموز الوطنية الكبرى، رموز أخرى، وطنية، وشرعية، وطبية، ورياضية، واقتصادية، وتعليمية، وأدبية، وهكذا.
وكل رمز سيكون له ميوله التي يخدمها، وقد يكون الوضع التاريخي أو الأزمة الحادثة أو الاستقرار الأمني أو التقدم الإنساني يفرض نوعا من الذيوع لرمز ما، ويكون لذلك دورة زمنية؛ يبدأ طفلا، ثم يشب، ثم يشيخ، ثم يموت أحيانا، بينما تبقى بعض الرموز متأبية على الفناء، محلقة في سماء الخلود.
فمن يستطيع أن يتجاوز شخصية الشيخ ابن باز -رحمه الله- في مجال الفتوى والقدوة المثلى للعلماء الربانيين، ومن يتجاهل رمزية د.عبدالعزيز الربيعة في فصل التوائم، وكيف لا نقر بأهلية ماجد عبدالله للنجومية في كرة القدم؟
وهل هناك من لا يعلم فضل الشيخ سليمان الراجحي على الاقتصاد المحلي والعمل الخيري؟
ومهما اختلف الناس مع أطروحات (الاستثناء) كما سمته (جريدة الجزيرة) الدكتور غازي القصيبي فلن يغيبه ناقد أدبي منصف عن تبوئه قمة الشعر السعودي في زمنه.
وقد تأخذ وتدع، وترضى وتغضب من رمز ما، وقد تنصبه أنت رمزا، وينصب غيرك له رمزا آخر، ومع ذلك كله فالرموز بشتى اتجاهاتهم سيبقون رموزا في نفوس مريديهم؛ بل حتى في نظر الذين يختلفون معهم، ويبقون أدلاء على الوطن الذي ولدوا فيه ويعيشون في ربوعه، بل قد تعرف البلاد بهم عند قطاعاتهم المماثلة خارج بلادهم.
فهناك من يعرف السودان بالطيب صالح، وليبيا بعمر المختار، وماليزيا بمهاتير محمد، وقد لا يعرف شيئا آخر عن بلادهم.
وإذا اتفقنا على أن هؤلاء الرموز يمثلون وطنهم، فإن من واجبهم أن يكونوا صورة ناصعة عن عقيدته التي يؤمن بها، وشريعته التي يُحِكِّمها، وإنسانيته التي ينادي بها، وسخائه على من حوله، وحبهم له، وفدائهم لأرضه، وتضحية في سبيل رقيه ونمائه.
ومن الجانب الآخر، فإن من الوطنية أن نصون تلك الرموز من الخدش، وإن كنا لا نزكيهم، ولا ننشر خللهم وإن كان من الواجب علينا في السر نصحهم.
ولا نعلن عن أخطائهم، وإن كان من الواجب الشرعي بيانها لهم، إلا إذا أعلنوها، فيكون من الواجب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، بما لا يتجاوز مراد النصح والإيضاح.
إن التقليل من الرموز الوطنية بشتى تخصصاتها – بسبب اختلاف ما معها – يعد إخلالا ببناء الوطن نفسه، والاعتداء عى شخصياتهم قد يمس جناب الوطن نفسه، وهيبة الكيان الذي يمثلونه.
ولعل من لطف الله بهذه الدولة السعودية أن جعلها تحكم ما بين البحرين، وما بين الصحراوين، وتوحدها على شريعة الله تعالى.
فالتأمت بمبضعها شقوق، ورقأت دماء، وأمنت طرق، وتعايشت طوائف وقبائل ومذاهب، ما كان لها أن تأتلف لولا أن الله ألف بينها، {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والمحافظة على هذا الكيان واجب على كل من ينعم بخيره، لا يستثنى من ذلك أحد.