يقرأ المسلمون سورة الكهف كل جمعة، وفيها قصة ذي القرنين، ومنها قوله – جل في علاه -: «فأتبع سبباً» وفي قراءة «فاتّبع سبباً». وقد اختلف أهل التأويل في المعنى، وملخص ذلك أنه سلك طريقا في الأرض، قالوا: ومنه قول الله تعالى يحكي قول فرعون لهامان: «لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات».
والمراد من هذا بيان أن اتباع الأسباب واتخاذها سواء كانت طرقا توصل للغاية أو أسبابًا تمنع البلايا، أو تجلب الوقاية أمر مشروع، بل هو من كمال العقل، ولا منافاة بينه وبين الشريعة، بل إن الشريعة الغراء تحث عليه، وتدعو إليه، وهذا مما لا يحتاج إثباته إلى دليل، وسيرته – صلى الله عليه وآله وسلم – مليئة بأسباب الوقاية، وأسباب النصر والأسباب المتخذة وسيلة للدعوة أو للإقناع، وغير ذلك.
ومن هنا فإنا نشد على يد وزارة الصحة الموقرة التي أثبتت هذه جائحة كورونا إخلاص العاملين فيها، وحرصهم على تحقيق الوقاية والرعاية لكل مواطن ومقيم فوق ثرى هذه البلاد الطيبة. وليس هذا مدحا ولا إطراء، وإن كانوا يستحقون المدح والإطراء، وإنما هو من باب قول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: “لم يشكر الله من لم بشكر الناس”.
واستطرادا في القول فإن اعتراض بعض الناس قد يبنى على أن هذا هو واجبهم، والناس تقول: لا شكر على واجب، والصحيح أن الشكر على الواجب واجب أيضا.
ونحن حين نتقنع بهذه الكمامات، ونصلي مع التباعد، ونتجنب المصافحة، والعناق، ونبتعد عن التجمعات، ونعتذر عن عدم حضور المناسبات فإننا نتبع الأسباب التي نرجو أن تقينا عدوى هذا الوباء الغامض، ولا غضاضة في هذا، ولكن فعلنا هذا وقاية حسية، لو وكلنا إليها ما أفادتنا شيئا.
فالأسباب الحسية وحدها ليست وقاية، ولا تجلب الحماية، يشخّص هذا قول الحبيب – صلى الله عليه وآله وسلم -: “لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيُجربها كلَّها؟ قال: “فمن أعدى الأول”؟
ومن حِكَمِ الشعرِ:
قد يهلكُ الإنسانُ من حيثُ مأمَنِه
وينجو بإذن الله من حيث يحذرُ
ومن حكَمِهِم:
وإذا المنية أنشبت أظفارَها
ألفيتَ كلّ تَميمَةٍ لا تنفعُ
إن ما مرت وتمر به البلاد في ظل هذه الجائحة والبلاء ينبهنا إلى أن أعظم شكر وجب علينا أداؤه هو شكرنا الله على أن اصطفانا بدينِ رُفعت عن منتسبيه الأغلال التي كانت على من قبلهم، وحين نظرنا في فقهنا الإسلامي وجدناه مَرِنًا في التعامل مع هذه الجائحة، فحين أغلقت المساجد أغلقت بفقهٍ وحكمة، ونرجو أن ينال المسلمون أجرَهم بنيتهم وعزمهم، وحين فتحت المساجد وعاد العباد إليها وجدنا فقهنا لا يمانع من تنظيم الصفوف واتقاء الأسباب الظاهرة بالمباعدة والحيطة من التقارب قدر المستطاع، وعلينا شكره سبحانه وتعالى على إنعامه علينا بحكام وأولياء أمر يبذلون أوقاتهم وأموالهم وكل جهودهم لوقاية الشعب من هذه الجائحة قدر الإمكان، ثم إن الشكر الأعظم والأوجب هو شكرنا الله على العافية والأمن وحسن الترتيب وشعورنا بامتنان الله علينا في كل طرف ونفس، وأن الله سبحانه لا يريد لنا إلا العافية، وأن ما يطرأ من بلاء إنما هو عابر واختبار لنا كيف نواجهه؟! وقد يكون من باب المكروه المحبوب «فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرًا كثيراً».
فما علينا إلا العمل بالأسباب كما يصفها لنا أهل الاختصاص.