كثر في هذه الأيام، وبحكم حب الشهرة وحب المتابعة وحب الظهور في القنوات الفضائية، من يفتي فيما لا يعلم، في كثير من شؤون الناس والحياة، وفي شتى أنواع العلوم، سواء العلوم الطبيعية أو الشرعية أو العلوم الإنسانية وغيرها.
والخطورة على المجتمع تبلغ ذروتها عندما يتصدر المشهد من يبيح لنفسه أن يفتي في كل شيء وباختصار، من لا يقول (لا أعلم)، ويكون الخطر بالغا جدا عندما يتعلق الأمر بكارثة عالمية جديدة ومستجدة بمسبب غامض شبه مجهول مثل (كورونا).
في أمر فيروس كورونا وسلالاته وسلوكياته وتطوره وتحولاته قل في الكرة الأرضية كلها من يعلم، بل ندر من يلم ولو باليسير، فهذه الجائحة غامضة جدا وتزداد غموضا، وتحتاج الفتوى حولها إلى تريث وتأكد، خاصة فيما يتعلق بطبيعة الفيروس وسلوكياته وتحولاته فعلينا أن نتقي الله ونلتزم بالنصح بما ثبتت فاعليته ونجحنا فيه وهو الوقاية بتحاشي الفيروس بالتباعد وارتداء الكمامة وغسل اليدين وتعقيمهما والبعد عن التجمعات وقبل هذا وذاك البعد عن الفتوى فيما لا نعلم!.
لا يمكن لطبيب استشاري في الأمراض المعدية أن يدعي علما بسلوكيات هذا الفيروس المستجد ولا بتحولاته ولا بعلاقة المتحول الجديد بتطعيمات القديم، فطبيب الأمراض المعدية نحترم ونقدر علمه وخبرته في تشخيص مرض معد بكتيري أو حتى فيروسي وكيف تنتقل عدواهما وكيف نقلل منها وما المضاد الحيوي (أو مجموعة المضادات) الأنسب لعدوى بكتيرية، بناء على تقارير صيدلانية لمستشفى بعينه، وكل ما يتعلق بمرض معد سببه معروف وعلاجاته مجربة، لكن حذار من أن يدعي علما بفيروس جديد مستجد وهو ليس عالما وباحثا معمرا في مجال علم الفيروسات ودرس ولا يزال يدرس سلوكيات هذا الفيروس، فلا أحد حتى الساعة يستطيع الجزم بمعرفة هذا الفيروس بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، التي نقدر لها الاعتراف بجهلها بكثير من خصائص كورونا وسلوكياته وما يتوقع منه.
وفيما يتعلق باكتساب المناعة للفيروس المتحول بعد إصابة بالفيروس الأصل أو بعد التطعيم عنه، فإنه يحتاج لبحث مستفيض لم يتم بعد، ويجب عدم الإفتاء حوله، فعملية إنتاج الأجسام المضادة لجسم غريب عملية متخصصة جدا يشبهها علماء المناعة بالمفتاح والقفل فلكل جسم غريب (فيروس أو غيره) جسم مضاد متخصص جدا قد لا يتحد مع جسم غريب مختلف، وحتى لا أقع فيما نهيت عنه دعوني أذكر لكم مثالا حيرنا، فقد أنتجت في مختبر أبحاثي للماجستير وعلى مدى سنوات أجسام مضادة لسموم الثعابين المحلية وهي سبعة، وطبيعي أن لكل نوع من سموم الثعابين جسما مضادا متخصصا، بل عالي التخصص حسب النوع، وعندما بدأنا الإنتاج في المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني وجدنا أن الحية الرقطاء في المنطقة الجنوبية لا يعادل سمها مصل محضر لنفس الحية الرقطاء في المنطقة الوسطى (نفس النوع والفصيلة) وهذا معناه أن البيئة أثرت في طبيعة الجسم الغريب (السم)، هذا وهو سم عبارة عن بروتين ذو تركيب ثابت فكيف بفيروس متحول؟!.. أرجوكم تريثوا وقولوا لا نعلم.