• 11:27:54am

أحدث الموضوعات

أول القصيد كلمة

تعليقات : 0

أصداء الخليج
بقلم: أحمد مكي

يوما وقفت عاجزا عن تحليل قصيدة للشاعر جميل بن معمر أو كما يلقبونه جميل بثينة، لكثرة تعمقي في مضامين القصيدة، وحبي لجميل وكأنه صديق لي جمعت بيننا عشرة عمر، وأنا المتفوق بامتياز في جامعتي، حيث كنت أدرس اللغة العربية وآدابها إضافة إلى الحقوق.

 قدمت ورقة بيضاء وسط دهشة أستاذي آنذاك الدكتور أدونيس الذي حاول أن يستفسر مني بإشارات من عينيه لكنني تركته ومضيت.

وأذكر أنني نلت علامة كاملة عن ورقة بيضاء لأن الدكتور أدرك معنى أن أنهزم بمحض إرادتي على أن أقدم بحثا تهزمني فيه العبارات والكلمات، ولا أكون راضيا عنه، فقط لمجرد أن أقدم تحليلا في امتحان ونيل علامة.

في مسيرتي الصحافية التي ناطحت أقل من نصف قرن بقليل، صادفت الكثيرين من أهل المهنة ولن أكون مجافيا للحقيقة إن قلت أنهم كانوا بالمئات، منهم من ترك في النفس أثرا جميلا، وبعضهم حفر في الوجدان بحبره السري، وآخرون نقشوا بقلم لا تمحى كلماته، كما الشاعرين جرير والفرزدق، اللذين كان أحدهما ينحت في صخر والآخر يغرف من بحر، وبعض الناس أتوا وغادروا حتى دون أن أشعر بهم.

ولأنني عاشق لسنابل القمح التي تنحني بحملها تواضعا حاملة الخير العميم، فقد أنعم الله علي في مشواري الطويل أن التقيت بعضا من نموذج سنابل القمح الذهبية، فعشقت التواضع المثقل بالخير يحني هامته حبا وعطاء، متجنبا أن ينكسر تحت طائلة الكبرياء والغرور، ناشرا في النفس نسمات عطر يستعصي على الوصف والتعريف به أو التعرف عليه ما إن كان فلا أو ياسمينا أو وردا أو قرنفلا، وربما كان مزيجا وخليطا من كل هذه النسائم الزكية المعطرة.

ولأنني أدرك أهمية الكلمة التي هي نور ومفتاح الحقيقة، وكوني أؤمن بأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، لا بد أن تكون كلمة أول القصيد أو القصيدة، لا فرق، من نصيب الأستاذ الفاضل سلمان العيد رئيس تحرير الصحيفة الموقرة “أصداء الخليج” وهو واحد من نماذج سنابل الخير الذي تأخرت كثيرا في التعرف إليه، لكن المهم أن سفينتي ألقت أخيرا بمرساتها على رصيف مينائه.

تعرفت على أستاذي الفاضل عن طريق الصدفة، حيث جمعت بيننا الكلمة عبر “اللينكد إن”، وبين متابعة وأخرى كنت أزداد إعجابا بالرجل وأدرك أنه يكمل الصورة التي أعشقها وأجلها عن أهل الصحافة، حيث أضاف بريشته اللمسة الأخيرة، فباتت الصورة مكتملة في بروازها الأنيق.

وعلى وزن “سيماهم في وجوههم”، فإن الأستاذ سلمان نقش بطيب الكلمة ورونق التعبير المفهوم الأصيل لأهل الاعلام ممن  “سيماهم في جمال الكلمة وصدق القول وبلاغة اللغة وتحمل الأمانة والمسؤولية”، فكان أمينا على رسالته، وهكذا بتنا زميلين وإن لم نتعارف أو نلتقي وجها لوجه، ورب صدفة إلكترونية خير من ألف ميعاد.

هذا الرجل أخجلني بجميل كلامه ورقي عباراته وحسه المرهف وطيب معدنه وهو يرد على رسالة موجهة مني إلى شخصه الكريم، مستهلا رده بعبارة “أنار الله طريقك وبصيرتك” ويا لها من عبارة كريمة من رجل كريم.

لم أكن أتوقع من أستاذي الفاضل غير هذا الكلام، وهو من رجالات الاعلام، القابض على أمانة ومسؤولية قيادة صحيفة محترمة موقرة لها مكانتها.

ربما يسأل سائل من أنا؟

أنا إنسان دخلت عالم الصحافة يوما بالصدفة، واستقر بي المقام في بلاطها حوالي خمسة وأربعين عاما ولا أزال.

لن أتحدث عن تجربتي في هذا العالم واسع الأرجاء، فربما تحدثت عنها في وقت لاحق، لأن هذه الإطلالة مخصصة لأناس لهم علي حق العرفان بالجميل، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

من نعم الله علي أن جمعني في مهنة الصحافة بأناس طيبين، حرفيين، مهنيين، نظيفي اليد واللسان، فاستفدت منهم وأثروا تجربتي، وزادوا من يقيني بأهمية الكلمة ومفعولها الحسن، وأكدوا المؤكد بأن الكلمة نور وأمانة ومسؤولية.

عملت في الصحافة الكويتية طيلة خمسة وأربعين عاما، تنقلت بين صحف ثلاث رئيسية هي القبس والأنباء والراي، وترقيت في رحاب عالم الكلمة من محرر إلى رئيس قسم وسكرتير تحرير ونائب مدير تحرير ومدير تحرير ومستشار، وطويت الصفحة في أول خطوة إلى عملي الخاص على دمعة وأنا أغادر مكتبي بعد أن ألقيت عليه التحية من خلال نظرة الوداع الأخيرة، وعلى الكرسي الذي ضج من كثرة جلوسي عليه، وعلى جهاز الكمبيوتر، وأغلقت الباب خلفي وفي العينين دمعة.

لم أبارح المهنة، فمن يعمل في مهنة الصحافة يستحيل عليه أن يتقاعد منها أو أن تتقاعد منه، هي رسالة يحملها معه حتى ساعة الرحيل.

ولأنني لا يمكن أن أكون غير صحافي، فقد عمدت إلى إطلاق منصة استشارات إعلامية وصحفية، مستندا إلى خبرة ال45 عاما، وتجربة شيقة في مهنة الشغف، لأنقل بعضا مما تعلمته من المهنة والزملاء الذين عاصرتهم، ومن سهر الليالي وراء مكتب عطر حياتي وعمق في كياني عشق المهنة، فحصدته ترقية تلو أخرى، وثناء من رؤسائي في العمل، واحتراما من مرؤوسي، وكل ذلك عزز من بساطتي وتواضعي تأسيا ب “من تواضع لله رفعه”.

وتقوم فكرة المنصة على دورات تدريبية “أون لاين” تتضمن جملة من الموضوعات والعناوين الرئيسية في عالم الصحافة، وقد أنجزت الدورة التدريبية الأولى التي ستكون جاهزة على الموقع الالكتروني خلال أيام، إضافة إلى دورات تدريبية أخرى واستشارات، وطرح نماذج من تجربتي في مشواري الطويل، كما الخوض في مواضيع اجتماعية قيمة تشكل عناوين رئيسية في مهنة البحث عن المتاعب.

يقول الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل أنه “يمكن لمهنة الصحافة أن تكون آخر ريشة في آخر جناح يقدر على الطيران في أجواء مضطربة علها تكفر عن نصيبها من المسؤولية باكتشاف ممر مفتوح إلى المستقبل”.

ولأن أول القصيد كلمة، فإن القصيدة لا تكتمل من دون تحية وسلام إلى بلد الخير الذي يشرق كل يوم على أصقاع العالم قاطبة، رسالة إنسانية من مملكة الخير والعطاء العميم الذي لا يمكن أن يغيب عن العين والوجدان والضمير والحقيقة.

لن أزيد، فكل بحور الكلام لن تفي مملكة الخير حقها وتوجز فضلها، وتحكي عن صنائع معروفها.

من نعم الله أن فُتح لي باب لقول كلمة.. وأول القصيد كلمة.

شكرا للكلمة التي تجمع ولا تفرق.. للكلمة التي تؤدي الأمانة.. لأهل الكلمة.

* صحافي وكاتب وروائي وإدارة منصة استشارات اعلامية وصحفية.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط comments are disable

قصة كتبها : سيف الوايل

د.سعود بن صالح المصيبيح

يوسف الذكرالله

يوسف أحمد الحسن

يوسف أحمد الحسن

بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

لواء . محمد مرعي العمري

بقلم | هدى حسن القحطاني

يوسف أحمد الحسن

التغريدات