• 11:17:50am

أحدث الموضوعات

المانشيت وأنا

تعليقات : 0

أصداء الخليج
بقلم: أحمد مكي :

غنية هي تلك التجربة الفريدة في نظري التي عشتها في حضن بلاط صاحبة الجلالة، والتي تنقلت خلالها بين المناصب والأقسام، لأكون محررا شاملا، وخلال حقبة ثرية من عمر الصحافة في الزمن الذي أصرّ على تسميته بالزمن الجميل، بدأ في السبعينات ولم ينته، ولن ينتهي حتى يوم الرحيل.

من أعذب الفترات على قلبي وأنا أقلّب في الصفحات أمامي وأرتشف فنجانا من القهوة، كانت اللحظة التي أُعدّ نفسي لها يوميا، وهي تجهيز مادة الصفحة الأولى، التي تعتبر واجهة العدد بالكامل، خصوصا المادة الرئيسية أو القطعة الرئيسية (المانشيت) كما نسميها.

كانت كل خيوط القطعة تفترّ في رأسي، وكنت مسكونا بالمقدمة التي تقود إلى بقية التفاصيل، كيف أبدأ بأسلوب يختلط فيه المضمون بجمال التعبير وبلاغة اللغة وحنانها ورقتها، واكتمال الفكرة، ليختلط مزيج لغة الضاد بمكوّن إخباري يكون مستساغا وسهلا وسلسا، يلقى القبول لدى القارىء، ولا يشعره بالملل، فيستطرد في القراءة من الحرف الأول حتى الحرف الأخير، خصوصا ونحن في عالم باتت تسيطر عليه المضامين القصيرة والموجزة والمكثفة، التي ترضي فضولك ونهمك إلى الإطلاع على الأخبار، خصوصا وأنت ذاهب إلى عملك ومنشغل بأمور كثيرة، أما قراءة المطوّلات فلها وقتها الذي غالبا ما يكون في فترة الراحة وربما ما قبل النوم، اللهم باستثناء قراءة رواية فهذا أمر آخر.

  

كثيرا ما كنت أغادر مكتبي إلى الساحة المقابلة للجريدة، زادي سيجارة وفنجان قهوة، أكتب القطعة الرئيسية على صفحة الذاكرة، أحفظها غيبا ومن ثم يأتي العنوان، الذي تعلمت في مسيرتي الصحافية وفي محطتي الأخيرة في الصحيفة العزيزة على القلب، أن يكون مباشرا، أحيانا كثيرة من كلمة واحدة وإن زاد فمن كلمتين على أن لا يتعدى الأربع أو الخمس، وكانت تلك مدرسة أسرتني وجعلت مني تلميذا يجاهد كي يكون ناجحا على عتبة بابها، سيما وأن كل جريدة في نظري تعتبر مدرسة قائمة بذاتها، لها أسلوبها وفلسفتها ونهجها الخاص بها.

أذكر أيضا أنني عندما كنت أصل إلى عنوان يرضيني وأعتبره موفقا، أتصل هاتفيا بنائب رئيس التحرير لأطلب منه أن يسجل العنوان عنده حتى لا أنساه في زحمة الأفكار التي تطرق رأسي، وفي الغالب كثيرا ما كان يعجبه، أو أن يكون بيننا نقاش إن كانت هناك حاجة إلى التغيير.

هذا الحب للمهنة، مقرونا بعمل جماعي، وحسن حوار وإصغاء للآخر كان يؤدي إلى منتج متكامل متوّج بالرضا، ننسى خلاله عناء عمل يوم كامل، لنبدأ من اللحظة نفسها التجهيز لعدد الغد، لأن العمل الصحافي كان يرافقنا حتى في لحظات التوجه للخلود إلى الراحة سويعات قليلة، نسميها نوما.

لا أزال حتى اليوم أحفظ غيبا الكثير من “المانشيتات” التي صاغتها خبرتي وتجربتي وشغفي بعالم مهنة الشغف، ولا  أزال أحتفظ في أرشيفي بكثير من المقابلات والتحقيقات والأخبار الرئيسية التي إما كنت محررا لها، أو عمدت إلى مراجعتها واختيار عنوان لها، بعد رحلة اندماج في المضمون، خصوصا إذا كان هذا المنتج يعبر عن قضايا اجتماعية تهمّ الناس، وكنت كثير التعلق بهذا الفن الصحافي، لأنني أؤمن أن الصحافي يجب أن يكون ابن البيئة، يشعر بما تشعر به، ولا خير في مضمون لا يقدم ما يفيد الجمهور ويعبر عن أحلامه وآماله وتطلعاته وشؤونه وشجونه.

راودتني هذه الخاطرة وأنا الذي لم يهجر الصحافة ولن يهجرها، وإن كنت في فترة قيلولة أسميها استراحة محارب، لأؤكد أهمية حب المهنة، أي مهنة، ما يؤدي الى الجودة والإتقان والصدق وراحة البال والضمير، بعيدا عن حسبة المردود المادي على أهميته، فما بالك بمهنة الصحافة.

ومن درب الشغف إلى طريق الرواية كان الايمان بأهمية الكلمة وحقيقتها هو همزة الوصل بين أن تكون صحافيا أو روائيا.

اتجهت إلى الفن الجديد بعد أن أخذت إجازة من مهنة المتاعب القريبة إلى القلب، عندما حان الوقت إلى ذلك.

وعلى النهج نفسه، كان الطريق إلى عالم الرواية استجابة لنداء الصوت، إلى الكتابة في موضوع اجتماعي تركت للرومانسية أن تطغى فيه وعليه،  فأنا أؤمن بأن لا طعم للكلمة من دون خيال يصوّر لك السلاسل قيودا من حرير والقفص الذهبي حديقة غناء.

 هكذا كان الأمر بالنسبة إلى روايتي الاولى “زوج التنتين” حيث شرّعت رياح الحب والتأمل والأنانية عبر كلمات سالت من دون رقيب لأنها رقيب على نفسها، تحترم ولا تجرح، تبني ولا تهدم، لأن الكلمة.. كلمة.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط comments are disable

قصة كتبها : سيف الوايل

د.سعود بن صالح المصيبيح

يوسف الذكرالله

يوسف أحمد الحسن

يوسف أحمد الحسن

بقلم | محمد بن عبدالله آل شملان

لواء . محمد مرعي العمري

بقلم | هدى حسن القحطاني

يوسف أحمد الحسن

التغريدات