اطل على العالم في أوائل التسعينيات مفهوم جديد ألا وهو القوة الناعمة فقد انتشر مفهوم القوة الناعمة على نطاق واسع منذ أن صاغ جوزيف ناي ذلك المصطلح في أوائل التسعينيات.
القوة الناعمة هي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين عبر الجاذبية والاحتواء ، وجاذبية الثقافة وتجاوز القيم والمبادئ كما إنها أيضًا القدرة على التأثير بشكل غير مباشر ومن بعيد فهي قوة ثالثة تكمل أضلاع مثلث القوة الثلاث وهي القوة العسكرية والقوة الإقتصادية والقوة الناعمة فالقوة العسكرية تستدعي غريزة البقاء ؛ بينما تعالج القوة الإقتصادية الرغبة في الثروة والجشع و القوة الناعمة هي أيضًا قوة الأيديولوجيا ، التي قد تكون جيدة أو لا ؛ وهي ليس بالضرورة إخلاقية .
لا توجد قوة ناعمة بدون قوة عسكرية وإقتصاد قوي فالدول ذات القوة الناعمة هي نفسها القوى العسكرية والإقتصادية الرئيسية في العالم وعلى الأرجح أن القوة الناعمة غير موجودة في ظل غياب النجاح الإقتصادي والإطار السياسي والتنظيمي الفعال .
تنبعث قوة الإعلام من قوة تأثيره على “الفكر” الذي هو محرك كل سلوكياتنا وأفعالنا حيث يمكن للآلة الإعلامية تشكيل تصورات وتعديل القناعات ، بغض النظر عما إذا كان تغييرًا إيجابيًا أو سلبيًا ، مقبولًا أو مرفوضًا ، مفيدًا أو ضاراً .
إكتشفت العديد من الدول المتطورة سحر الإعلام وضغطه وقوته المؤثرة ، حتى أنفقت مئات الآلاف للوصول إلى لوائحها من خلاله ، ولإقناع المئات من الشرعية في خططهم وحزمهم من خلال التقنيات المختلفة ، ووسائل الإعلام أصبحت جزءًا من تفكير المجتمعات ، والحروب الإعلامية من وقت لآخر ثمنها أكبر من الحروب التقليدية .
إن تأثير المعرفي لوسائل الإعلام بعيد المدى أعمق من التأثير السلوكي ، لأن التأثير المعرفي بعيد المدى يشمل المعتقدات والآراء والهويات ، تلك التي تتأصل في داخلنا وتتحكم في سلوكياتنا ، على النقيض من التأثير السلوكي الذي يتلاشى مع تلاشي المؤثر كما هو الحال في مواسم الشراء مثلا وما شابه .
ترتبط قوة الإعلام بقدرة وسائل الإعلام على الاستحواذ ، والإقناع ، والتنوع ، والتكرار ، والجاذبية ، والإبهار والانفتاح ، وتلبية متطلبات المتلقي ، والتسلل إلى حياتنا ، وهو ما يعرِّفه المتخصصون بـ القوة الناعمة و مواكبة الأحداث الجارية ، ومؤخراً قدرتها على التواصل مع المتلقي سواء من خلال مواقع الويب أو غيرها من الوسائل المتبعة في ذلك المجال حيث تقنع وسائل الإعلام الجمهور بقبول وجهة نظر معينة من خلال إقناع المتلقي بأنها تمثل الرأي العام ، ووصفه على سبيل المثال بأنه “موقف وطني” أو “شعور عام” أو “يدعمه معظم الناس” و من خلال استخدام التقاليد الإجتماعية للإدعاء بأن الآراء الأخرى منحرفة ومتناقضة مع تقاليد المجتمع ، أو من خلال تقديم تفسيرات قانونية وفقهية لجعل أفعال وأنشطة من لديهم آراء مختلفة تنحرف عن القانون ، حتى لو كانت هذه التفسيرات غير إسلامية ولا تقبلها مجتمعاتنا العربية .