بما أن الأمة تعيش في أزمة مالية وطنية صعبة ، وغلا في المعيشة ، وصعود مهول في العقار ، وارتفاع للأسعار ، كل ذلك غير مبرر ولا حقيقة له إلا الجشع والطمع ،هنيئاً لمن اتقى الله في تجارته ، وكان كسبه حلالاً ، وشاب رزقه عن الحرام ، وأحسن مع إخوانه المسلمين ، فكان كسبه قليلاً ، لكن بإذن الله سيكون دخله كثيراً .
وطوبى لمن بر في تجارته وصدق مع إخوانه المسلمين ، وأعطى وتجاوز وأحسن فبشرى له ، ومآله الجنة بإذن الله تعالى ، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ” كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِراً قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ ( متفق عليه ) .
السوق فيه خير كثير ، ورزق وفير ، وأجر كبير ، لمن صلحت نيته ، وخلص عمله ، ولهذا نرى جميع العمالة الوافدة إلينا تسعى للسوق فور وصولها أرض البلاد ، فيحصلون على مبالغ مالية هائلة ، ويحولون مليارات الدولارات سنوياً إلى بلاد هم ، ومنهم من أقام الشقق والمحلات التجارية والشركات والمؤسسات في بلده بسبب عمله في السوق المحلية لدينا ، بينما الكثير من شبابنا يقبعون تحت أغطية النوم نهاراً ، وتحت أسقف المقاهي والملاهي ليلاً ، فأين الخير الذي يرجونه ، وأين المال الذي يطلبونه ؟ لا يمكن أن يتحقق لهم مطلب إذا استمروا على حالهم اليوم .
ونحن إذ نشجع الشباب على الدخول في السوق للتجارة والكسب الحلال ، لندعو الدولة بكل كوادرها وجهاتها توفير الجو المناسب والمال الداعم لهؤلاء الشباب ، ليكونوا تجاراً ينصرون أمتهم بأموالهم ، لا يطففون في ميزان ولا كيل ، يتقون الله ويخشونه ، ويتعاملون مع المسلمين بما في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، إذا وجد من شبابنا من يغامر ويدخل السوق بمساعدة مالية من الدولة أو غيرها فسوف يحصدون رزقاً داراً بمشيئة الله ، ففي التجارة خير وبركة ورزق عظيم ، وأجر في الدنيا والآخرة .
النبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ، وكان يتاجر لخديجة رضي الله عنها ، فالعمل ليس عيباً ، بل العيب فينا وفي نظرة المجتمع الخاطئة لمن يتاجر ، وللأسف فهي نظرة ليس لها حظ من النظر ، بل المفترض أن نساعد الشباب ، ونقوي عزائمهم ، ونشحذ هممهم ، ونشد على أيديهم ، وندلهم على السوق ، لكسب الأجر والخير والمال الكثير ، العمل ليس عيباً ، ولا نقصاً في حق الإنسان بل الأنبياء قبلك كانوا تجاراً ، فلست أحسن منهم ولا خيراً منهم أبداً ، بل هم أفضل من مشى على الأرض ، وهم صفوة خلق الله وأقربهم إليه سبحانه ، كانوا تجاراً ، ولم يكونوا يتسولون أو يشحذون أو يقفون في المساجد والطرقات يسألون الناس أموالهم ، بل كانوا يتاجرون بأنفسهم ، لم يذلوا أنفسهم لأحد من البشر ، بل أغنياء بالقناعة وما يأتيهم من كسب ولو كان قليلاً .
فهيا إلى السوق . . . فهو خير وسيلة لكسب الحلال بإذن الله تعالى ، وأعظم أمر تعف به نفسك وأهلك ، ولا تتعرض فيه إلى منة أحد من الناس ، بل كل من عمل يديك ، فهو خير كسب وأفضل مال ، إذا اتقيت الله فيه وبررت وصدقت مع المسلمين في تعاملك وبيعك وشرائك .
وقفة :
ربما لم ينظروا إلى ما تنظر إليه أنت أو غيرك في التجارة فرأوها عاراً وذلة ، وإنما هي عز وشرف لك من يعمل في التجارة أياً كان نشاطه ، فالأنبياء كانوا تُجاراً ، ولم يخجلوا من حرفهم وصناعاتهم التي كانوا يعملون بها .