يولد “حلم الأمومة” مع كل فتاة، حتى إذا ما بلغت سن الزواج تمازجت صورة فارس الأحلام مع صور الصغار، لتخلق لها عالمها الخاص ونواة مملكتها التي لا تكتمل أركانها دون براءة الصغار، دون ضجيج ضحكاتهم وصراخهم، ففي تلك المساحة فقط تتعاظم أنوثتها وتتوطد أركان سعادتها، إلاّ أن الأمومة التي يهبها الله ميسرة لكثير من نساء الأرض، تصبح هماًّ وحزناً وثقلاً كبيراً عند بعضهن، خاصةً حين تمر الشهور والأعوام بلا طفل، ليصبح اليوم كالعام على المحرومة من الإنجاب.
وجاءت عمليات أطفال الأنابيب والحقن المجهري لتقدم حلاًّ سحرياً لأكثر من (60%) من حالات العقم في العالم، ليبلغ عدد أطفال الأنابيب الذين ولدوا منذ طرح هذه التقنية خمسة ملايين طفل في أنحاء العالم، وفق آخر الإحصاءات العالمية، مما حقق السعادة لأكثر من ألف أسرة في المملكة سنوياً وفق آخر الإحصاءات المحلية، لكنها في المقابل أضحت تجارة مزدهرة دفعت أرباحها المذهلة إلى انتشار مستشفيات وعيادات أطفال الأنابيب، حتى أنه لا يخلو أي حي من مستشفى أو مركز طبي لعلاج العقم، مستخدمين عبارات تعزف على وتر العاطفة لاجتذاب الزبائن، لتتراوح تكاليف عملية طفل الأنابيب شاملة الحقن التحفيزية الأولى ما بين (15- 20) ألف ريال!.
وتناقلت الأنباء في “يونيو” الماضي أن أطباء بلجيكيين طوروا عملية تلقيح بسيطة التكاليف من “تكنولوجيا” أطفال الأنابيب للاستخدام في الدول النامية، تكلف حوالي (260) دولارًا، أي حوالي (1000) ريال فقط، وإن نتائجها لا تختلف كثيراً عن نتائج عمليات الأنابيب المعروفة، حيث تتبع أسلوباً لزراعة الأجنة لا يتطلب معدات المختبر الغالية المستخدمة حالياً، إلاّ أن هذه التقنية لم تغادر حدود بلجيكا بعد رغم مؤشراتها الناجحة، وأغلب الظن أنها لن تغادرها في القريب العاجل نظراً لما تشكله من تهديد حقيقي لتجارة أطفال الأنابيب في العالم.
ووفقاً لآراء عاملين في هذا المجال فإن تكلفة عمليات أطفال الأنابيب في المملكة تُعد مقاربة للتكاليف في باقي دول العالم، وإن كان ثمة ارتفاع في تكلفة العملية فإنه يعود الى نوع الأدوية المستخدمة، وكذلك نوع المواد والمحاليل في مختبرات أطفال الأنابيب المستخدمة في عمليات التلقيح .
أُريد طفلاً
وقالت السيدة “نصرة” -امرأة تعدت الأربعين من عمرها لم ترزق بأطفال منذ زواجها قبل (22) عاماً-: لن أيأس أبداً، وسأواصل السعي إلى الإنجاب طالما مازال لدي مقومات الإنجاب وإمكانياته “الفسيولوجية”، مضيفةً أنه مهما كلفها الأمر لن تتوقف، مبينةً أنها مرت بتجربة طفل الأنابيب ثلاث مرات وصعدت مع الأمل إلى عنان السماء ثم سقطت أرضاً في لمح البصر، حيث كلفتها العمليات مع محاولات الطب الشعبي والطب البديل والطب التقليدي كل ما تملك تقريباً، ذاكرةً أن المبلغ تجاوز (200) ألف ريال، إضافةً إلى نفقات السفر خارج المملكة ومحاولة الإنجاب في مراكز متخصصة هناك، مؤكدةً على أنها ليست ثرية لكنها خصصت كل ما تحصل عليه من عملها كمديرة في إحدى القطاعات الصحية على هذا الحلم قبل أن يفوت الوقت تماماً، مشيرةً إلى أنها أجّلت بقية أحلامها، حيث لا يشغلها الحصول على منزل، ولا يعني لها تضخم رصيدها في البنك، فقط تُريد طفلاً، موضحةً أنه لا شأن لزوجها بتكاليف عملية طفل الأنابيب.
ومن الغريب أن كل من صادفناهم في المراكز كانوا على نفس الشاكلة، حيث إن الزوج يرفع يده من الإنفاق على هذه العملية، تاركاً زوجته تتحمل نفقاتها طالما أنها تسعى وراء حلمها.
وتساءل “أبوعبدالله”: لماذا أشارك في تكاليف باهظة بهذا الشكل إذا كان من الممكن أن أضيف عليها قليلاً ليصبح عندي زوجة ثانية وأبناء آخرين، مضيفاً: “أنا غير موافق على هذه العمليات المكلفة، ولولا دموع زوجتي ما جئت”!.
تكاليف باهظة
وسألنا السيدة “هدى أم أسامة” بعد أن وضعت طفلها بعملية قيصرية في مستشفى خاص عن التكلفة والنفقات، فقالت: النفقات والتكاليف كثيرة جداًّ، لكنها لا تساوي اللحظة التي لمست فيها ولدي، مضيفةً: “تبدأ نفقات العملية -التي لا يشملها التأمين الطبي باعتبارها كماليات لا ضرورة لها- بفتح الملف الطبي وإجراء الفحوصات والتحاليل الأولية لكلا الزوجين، والتي تبلغ في متوسطها من (1500- 2000) ريال حسب نوع التحاليل المطلوبة وعددها، بعد ذلك يقرر الطبيب “كورس” من الحقن المحفزة والتي قد تستمر أسبوعين أو أكثر يرافقها أربع إلى ست جلسات أشعة صوتية لمتابعة حجم البويضات، وهذا يكلف ما بين (1500- 3000) ريال، حتى اذا ما صارت البويضات بالحجم المطلوب تأتي عملية السحب، هنا يكون المبلغ الأكبر الذي يدفع قبل عملية سحب البويضات، يتراوح في مختلف المراكز الطبية بين (11- 13) ألف ريال، ثم بعد إرجاع البويضات تبدأ رحلة أخرى مع إبر المثبتات اليومية والشهرية وجلسات الفحص الدورية بالأشعة الصوتية، التي قد تصل إلى أشعة كل أسبوعين كما حدث معها، بواقع (300) ريال للأشعة الواحدة، ثم فحوصات أخرى للسكر ولقياس نمو الجنين ومحيط رأسه وغيرها، حتى يتحدد موعد الولادة، التي تتم بمبلغ (21) ألف ريال، منها (11) ألف ريال أجرة الطبيب و(10) آلاف ريال أجرة المستشفى”، ضامةً ابنها “أسامة” وهي تقول: فداء عيونك.
تطور كبير
وأكد “د. سمير عبدالله” -استشاري أمراض النساء والتوليد وطب الأمومة والجنين- على أن التطور العلمي والأبحاث في تقنيات طب التكاثر والأجنة والأبحاث المستمرة التي تتميز بها مراكز المملكة أصبحت تضاهي أفضل النتائج في المراكز العالمية، حيث تتلخص هذه التقنيات في إيجاد الحلول المناسبة والتغلب على عمليات فشل المحاولات السابقة بنسب نجاح تصل إلى (50%)، مثل إجراء تهييج بطانة الرحم قبل ترجيع الأجنة، وإعطاء الأدوية التي تزيد من تدفق الدم إلى بطانة الرحم، وكذلك عمل تحليل الكروموسومات وتحليل الجسم القطبي، واستبعاد البويضات أو الأجنة التي تحتوي على خلل في الصبغة الوراثية، إضافةً إلى عمليات تجميد الأجنة عن طريق ما يعرف ب”التزجج”، مؤكداً على أن ذلك تطور كبير في عمليات تجميد الأجنة، حيث إنه في حالات تجميد الأجنة العادية تنخفض نسبة نجاح الحمل إلى (20%) بعد إذابة التجميد، مشيراً إلى أنه في الطريقة الحديثة فنسبة انغراس الأجنة المجمدة تكون مقاربة لنسبة انغراس الأجنة عند عمليات الترجيع المباشر، ناهيك عن إدخال الأشعة الثلاثية في عمليات تصوير الرحم والمبايض والأنابيب، وتفسير بعض الأسباب التي كانت غير معروفة سابقاً، والتي يتكرر فيها فشل المحاولات، إضافةً إلى دور الفحص بالمنظار الرحمي في بعض الحالات.
كاميرا مراقبة
وأوضح “د. سمير” أن من مظاهر تطور عمليات أطفال الأنابيب بالمملكة وضع “كاميرات” مراقبة للأجنة في الحضانات، على مدار (24) ساعة لمشاهده انقساماتها وتكاثرها لتحديد أكثر الأجنة جودة دون الحاجة إلى إخراجها من الحاضنة حفاظاً على البيئة المثالية المحيطة بالأجنة، مما يتيح إرجاع أو نقل الأفضل لزيادة نسبة الحمل، إضافةً إلى الحقن المجهري المطور، والذي يتم من خلاله تكبير صورة الحيوانات المنوية من ست آلاف مرة إلى سبع آلاف مرة، مما يمكن من اختيار الأجود منها، وبالتالي رفع نسبة حدوث الحمل إلى (70%)، مؤكداً على أن إجراء بعض التقنيات أثبت فعالية في زيادة فرص النجاح، مثل إجراء زراعة الأجنة في المختبر في أوساط طبيعية من بطانة رحم الأم، مما يزيد من فرص النجاح، وكذلك عمل اختبارات مخبرية دقيقة بين الأجنة بتقنيات خاصة للمفاضلة بينهم، مما يزيد من فرصة اختيار الأجنة ذات الجودة العالية إلى (70%).