عندما سقطت تلك الكرة الذهبية في الخليج العربي ليخرج منه كائن إعلامي يُدعى الجزيرة، كانت لحظة لا تُنسى لجيل كامل من العرب شمالهم وغربهم وخليجهم، مفردات جديدة وأسلوب إعلامي جديد وُلد من رحم مقابلة مسيئة في قناة البي بي سي لمن يقول إنه معارض سعودي في لندن، لا يتعدى مؤيدوه فنيي إذاعته هناك.
ومثل أي شيء جديد وغريب تعلق العرب بهذه القناة وما تبث، وكانت بكل حرفية تبث رسائلها ومفرداتها لتحقن ما تريد رويدًا رويدًا في وريد شعوب ملّت من الإعلام الحكومي ورتابته ورسائله الموجهة، كبرت الجزيرة ومخالبها، وأصبحت قفازًا حديديًّا لدولة المقر تطعن فيها من تريد ومتى تريد، وكان للسعودية نصيب وافر من الطعنات التي لم يكن بمقدور أي دولة أخرى تحمُّلها، فلم توفر طعناتها حكمًا أو شخصًا أو عرضًا، تكر وتفر إلى أن توحشت تمامًا قبل عقد من الزمان في ظل إدارة أوباما، فالجزيرة ليست قناة إعلامية بل ظلال له لسان لمشروع ضخم انطلق مع انطلاقتها؛ وهو تقسيم العالم العربي وتخريبه.
وعندما حانت الفرصة المناسبة للوحش الذي سنت مخالبه بعناية عبر السنوات ليظن المتابعون له أنه يد تثقيف وتنوير، كشر الوحش عن أنيابه في ديسمبر 2010 عندما لاحت الفرصة فأصبح ذراع الربيع العربي وصوته وعتاده، قناة تلفزيونية تقود تفكير شعوب.. فرحت تلك الشعوب بالتغيير في أشهره الأولى، واحتفلت الجزيرة أنها الزعيم الجديد للأمة العربية، وفي احتفالها أظهرت وجهها الحقيقي لا صوت يعلو فوق صوت الثورات، لا رأي آخر، لا حديث إيجابي عن الماضي؛ إذن لم تكن قناة بل أداة.
مرت الشهور وسادت الفوضى وأصبح المتابع المدمن للجزيرة لا يقدر أن يخرج للشارع من انفلات الأمن في الدول التي حكمتها الجزيرة؛ فبدأت المصداقية في الانهيار حتى انفضح الربيع، وانحدرت الجزيرة من الحاكم بأمره في عقول المشاهدين إلى قناة ضمن مجموعة قنوات يستعرضها المشاهد ولا يؤمن بها إيمانًا أعمى.. استكانت بعدها وأُهملت إلى أن قررت الدول العربية مواجهة دولة قطر بكل ما ارتكبته من جرائم في العقدين السابقين، لكن المفاجأة أن الوحش الكاسر أصبح أليفًا يلمس ولا يغرز، يلسع ولا يطعن، لكن عقل الوحش حاضر ويخطط بذكاء فاستبدلت المظلومية بالحرية والعقلانية بالثورية، وأصبحت أنياب الوحش لسانًا يدعو إلى الحوار، فهي فرصة ذهبية لعودة المشاهدين الذين هجروا الجزيرة، وإذا عادوا وشاهدوها يجدون رسالة جاذبة لهم تلامس دوافعهم من الأخوة والرحمة والشيمة وغيرها من أمور لم ينتهكها أحد مثل الجزيرة.
ولأن العقل الذي يخطط يريد تصدير الأزمة وفتح الثغرات مستغلًّا أن مجتمعنا كبير، فنحن في أزمة تعتبر فريدة علم الأزمات والإعلام، فالفرق هائل في العدد بين مجتمعي الصراع الإعلامي، فبينما مجتمعاتنا بعشرات الملايين لا يتعدى مجتمع حاضني الجزيرة مئات الألوف، وهو ما يدفعها إلى المحاولة باستماتة لاستمالة أي قطاع من هذه الملايين.
ومن هنا كثفت ألاعيبها وحيلها لتجعل الناس تتسمّر عند الجزيرة فتعلن عن مقابلة حمد بن جاسم (الوجه الأبرز للربيع العربي) وتؤخرها وتؤجلها؛ لتجس نبض الشعوب المستهدفة من ذلك، وتزيد التشويق وتختبر مدى التأثير وإمكانية المتابعة وتنقل المعركة إعلاميًّا إلى الدول المستهدفة، خصوصًا أنها تعرف جيدًا أن خصمها ليس قنوات تقليدية، بل إعلام جديد بملايين المشاركين، ثم يأتي كلام أبرز كتاب الدوحة عبدالله العذبة عبر الجزيرة يوميًّا عن أن قطر والسعودية ووصفه لهما بأنهما الدولتان السلفيتان الوحيدتان، هل تصدقون أن يكون اعتباطًا أن يخرج العذبة ويشيد بالسلفية ومن منبر الجزيرة، ولماذا لم يخرج مثلًا عزمي بشارة ((الدرزي)) في هذه الأزمة؟!
الجزيرة تخطط بكل ما تملك من خلايا تفكير أن تستغل الأزمة لإعادة المشاهدين إليها، وأن تستغل عتب بعض المتابعين على قنوات أو كتاب معينين لتظهر هي كقبلة إعلامية لكل ساخط علي قناة تلفزيونية أو سلوك كاتب، وكلها أمل أن تنتهي الأزمة وهي سليمة العقل؛ لكي تحضر لموجة ثانية تدميرية، وحتى لو كلفها هذا المجهود أن تكون بكل هذه النعومة، وأن يكون العذبة داعيًا لتضامن السلفية؛ لذا لابد من أن يكون هدفنا كشف الحقائق والحقائق فقط، وما أكثرها ضد الجزيرة وحاضنيها!!
أما أن يحاول أن يجرنا من يفكر لهم إلى مناطق يسهل فيها الصراع وتكبر فيها الاحتمالات في تغير القناعات فهذه والله مكيدة.. وهم أهل المكائد والدسائس والإرهاب.. فليقل لنا العذبة المتمسح بالسلفية ومنبره الجزيرة أين كانت حماستهم لسلفيتنا عندما أظهروا وبشكل حصري بيان الإرهابي عبدالعزيز المقرن وهو يقتل الرهينة الأميركي بول مارشال جونز.. واحتفلوا به.
بني وطني الحذر فمن ساهم بكل ما يملك في سفك دماء ملايين البشر لن يكون صيدًا سهلًا وسيعمل بكل طاقته ليحقق هدفه وقد بدأت الأفعى تغيير جلدها.. حفظ الله الوطن وقادته.