نجيب عبد الرحمن الزامل
أنت سعودي، فلست بحاجةٍ إلى أن تبحث عن أصلك وفصلك، فتلك قضية تجاوزها العصر، وواقع متطلبات كل يوم.
أنت سعودي، فلستَ بحاجة إلى عقلٍ يعيش في أماكن أخرى، واعتقاداتٍ لم تعد تجدي فتيلا. أنت محتاج لعقل منطقي، عصري، نشيط.
أنت سعودي، فأنت مثل أي إنسان اليوم، لم يعد مالك وفيرا، ولا الرخاء لك مفروشا تمشي عليه، فهناك مشكلةُ عيشٍ حقيقية، وعقدةُ خوفٍ من الغد، وهناك تجاهلٌ من مسؤولين عن فهم واقع حاجتك، وهناك حلول بعضُها التجاهلُ أحسن منها، فارفع أكمامك، وأحرث لرزقك، وابحث عن حظك، فحظُك تبحث عنه، ولا تصدق أبدا أن الحظّ يبحث عنك.
أنت سعودي، فلو ما نُبشتْ لك كل كنوز تاريخك، وفتحت لك كل صناديق الماضي، وأُخرجت لك كل ما فيها من حضاراتٍ وفنونٍ وبطولاتٍ وفتوحاتٍ، ولم تفتح لك المدارس والجامعات والمستشفيات، ولم تمهد لك طرق الرزق، فلن ينفع ذاك الذخرُ من التاريخ. فهل تقف؟ لا تنتظر، جاهد أن تصنع تاريخَك بنفسك، بجدّك أنت، وبعرقك أنت، بإيمانك بأن الله ما وضع لك هذه المعجزة العظمى في رأسك إلا كي تتلمس طريقك بنفسك، إن لم يرصف لك أحدٌ الطريق. عندها ستضيف إلى ذلك التاريخ، ويقول ابنك هذا تاريخُ أبي صنعه بيديه.
أنت سعوديٌ، عليك أن تحب وطنك.. ولكن المواطن لا يتعلق بحكومته إن لم تحبه وترعاه وتحتضنه، كما يُحتَضَنُ سواه، دون تفرقةٍ، دون تمييزٍ، إلا بمقاييس الاستحقاق العدلي وبمقادير معرفته ونشاطه وكفاءته وعطائه.
أنت سعودي، ولا بأس أن تعجب بالغرب والشرق والشمال والجنوب وإنجازاتهم. ولكن خلاياك التي هي من طين أرضك، إن كنت خالصا مخلصا لها، لا تجعلك تتعلق بالغرب وغير الغرب، فهم ما جمَّل أوطانهم ولا رقّاها إلا مواطنوها.. فارقَ أنت بنفسك، وارقَ بعائلتك، وسيرقى حيُّك تبعاً لرقيك ورقي عائلتك، ثم ترقى مدينتك لرقيّ حيّك، ثم ترقى منطقتك لرقي مدينتك ثم كامل وطنك.. هكذا هم تقدموا، لا أسرار في ذلك. فهم يملكون ذات الأدوات التي أمدها الله لكل بشري.. إنما العزمُ والجدية والإرادة وقوة الانتماء وحرية الكرامة هي التي تمايزُ بشريًا عن آخر، فيتميز بلدٌ عن آخر.
أنت سعودي.. لقد هبّ الوقتُ الذي يجب أن تعلم وتدرك فيه أنه لم يعد يُقاس فيه الإنسانُ لتستمر قوة بقائه وشرف الكرامة في هذه الحياة من أجل أسرته، أو جاه قبيلته، أو سلالة زعامته.. إنه الوقت الذي فيه هذه الحقيقة الكبرى: أنت وحدك أسرتك، وأنت جاهُك، وأنت قبيلتك، وأنت زعيم نفسك. إن صدقت فهي بوصلة الاتجاه الصحيح في هذه الحياة العصرية المنطلقة. إن لم تصدقها، فلن يعلم أحد، لأنك ستكون ضعت وحيدا، وتُهْتَ بعيداً عن الركب.
أنت سعودي.. أحب كل الناس بكل فئاتهم، وأجناسهم، وأعمالهم، وهم سيحبونك كردود الأفعال. وقبل كل ذلك، إن شاء الله، سيحبك الله.