• 06:35:13pm

أحدث الموضوعات

غريزة بين الإفلات والإهمال والتهذيب

تعليقات : 0

أصداء الخليج

وليد السليم

لا يمكننا تجاهل الغريزة الجنسية أو التعامي عنها أو تهميشها وإهمالها، فهي بوصفها دافعا فطريا يصبح من المستحيل قمعها أو حتى إبعادها عن حياة أبنائنا وبناتنا، واللجوء إلى ذلك لا شك أنه ينافي الطبيعة البشرية.
ومن المؤلم أن نرى الآباء والأمهات يبتعدون عن مجرد الخوض في الحديث حولها وإضفاء دوائر ملتهبة من العيب حين الحديث أو حتى الإشارة، في الوقت الذي أزعم أنه يمثل إلحاحاً عميقاً في النفوس، ويستحوذ على مساحات شاسعة من التفكير، ومما يؤسف له أنه بقدر أهمية موضوع الجنس في حياة الكبار والصغار، نجد عزوفاً غير مبرر، وتجنباً غير منطقي، تجاه غريزة تساوي في دوافعها الأبوة والأمومة، والبحث عن الطعام والتملك والسيطرة.

وكطبيعتنا في التعاطي مع كثير من الأمور، إذ لا نتعامل معها بشكل علمي ولا بطريقة هادئة، بل نقف على طرفي نقيض بين من ترك الحبل على الغارب، فلم يتابع، ولم يوضح، ولم يرب أبناءه التربية المستنيرة، فترك أبناءه وبناته يخوضون في بحر واسع تتلاطم بهم الأمواج، وتتحطم قواربهم الهشة، فيغرقون وليس ثمة منقذ.
في النقيض الآخر هناك من شدد على أبنائه وبناته، فأقفل في وجوههم كل نافذة، وقتل جميع الأسئلة، ولم يترك لهم مجالاً للحديث والحوار، فعاشوا في مأزق القيد، وإلحاح الغريزة التي لا يمكن واقعاً كبتها، وفي مثل هذه الظروف حتماً سيصبح التنفيس عن الغريزة بشكل يفوق الوصف والتصور وحتى التوقع.
يظن بعض الآباء والأمهات أن الأبواب الموصدة تمثل أماناً للأبناء والبنات من الوقوع في براثن الانحراف، لكنهم بالتأكيد لم يصلوا إلى قناعة، أو لم يفهموا أنهم يتعاملون مع طبيعة إنسانية، وليس مع آلة حديدية جامدة.
ديننا الوسطي الكامل لم يكبت هذه الغريزة ويمنعها منعاً باتاً ولم يطلقها بالشكل الذي تتحول فيه إلى غريزة يشبعها الإنسان بأي طريقة وفي أي زمان ومكان دون قيد ولا ضابط وبطريقة حيوانية عشوائية.
غريزة الجنس غريزة معقدة، تحتاج منا إلى أن نعطيها اهتماماً واسعاً وتركيزاً تستحقه، ولقد نادى كثير من المربين والكتاب والمثقفين والأطباء النفسيين بدور للثقافة الجنسية في حياة أبنائنا وبناتنا، وتوعيتهم في إطار تربوي ونسق تعليمي صحيح، ينأى بهم عن الخطأ، ويجعلهم في مواقع يرون فيها النور، وتضاء فيه المصابيح، بدل أن يعيشوا مراحل حياتهم وسني عمرهم وهم في أقبية مظلمة، تجتاحهم الهموم، ويضغط عليهم الدافع دون أن يروا من يرشدهم ويوجههم.
إن الانحرافات التي تحدث من الأبناء ويفاجأ بها الآباء والأمهات هي في الحقيقة نتاج تسبب فيه الوالدان ونسبة الخطأ الأقل هي ما يجب أن تحال إلى الابن أو الابنة، فتهذيب هذه الغريزة الجامحة ليس الدور فيها ابتداءً للطفل أو المراهق بل للأب والأم في البيت والمعلم في المدرسة والإمام في المسجد والبرنامج في الفضائية والكاتب في الصحيفة وغيرهم.
إدمان الأفلام الإباحية والتحرش وارتكاب الفاحشة هي طوفان لا يقدر على الأبنية ذات الأساسات الصلبة وإن أثر فيها كان التأثير عابراً لا يمكن أن يتعدى الطلاء الخارجي للبناء.
والحق أن كثيراً من الظواهر التي نشاهدها لو تأملناها جيداً هي في الواقع نتيجة لدافع غريزة الجنس التي ينبغي ألا ننظر إليها أنها غريزة مخيفة مدمرة ولا نستهين بها فهي تحتاج إلى حكمة بالغة في التهذيب والتعامل والتربية.
أتذكر أنني قرأت كتاباً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وكان كتيباً صغيراً في حجمه كبيراً في مضمونه، ومحتواه يناقش الأبناء والبنات ويحاورهم حوار المعلم المخلص والمربي الفاضل، والشيخ الوقور والأب الحنون، وكان يعالج مسألة إلحاح الجنس وثورته لأحد الشباب الذي يعاني وغيره من إلحاح هذه الغريزة عليه وقوتها، فلم يعنف السائل ولم يسخر منه بل أجابه بأسلوب أدبي راق وبمنطق واقعي مفهوم ومقنع وهذا ما يجب أن يحرص عليه المربون بمختلف فئاتهم ومواقعهم.  ولا يمكننا إبداء الاهتمام المطلوب إلا حين نقيم حجم المشكلة ومدى تأثيرها، ينبغي أن نعي حقيقة أن أبناءنا وبناتنا الآن بين مطرقة غريزة الجنس وسندان اللامبالاة من المربين.

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط comments are disable

التغريدات