تنتشر ثقافة “تكسير المجاديف” بشكل واسع في مجتمعنا، والمصابون بفيروس “شهوة التحطيم” لا حصر لهم بيننا، ولسان حالهم ومقالهم إلى الطامحين من حولهم أن «تعوذوا بالله من أحلامكم»، و«تخلصوا من طموحكم لأن قدراتكم لا ترقى إليها»، و«عودوا إلى جادة التقليدية فالتميز لم يخلق لكم»، و«النجاح الذي تفكر فيه سبقك إليه الآخرون»، و«لن تجد مقعداً في رحلة المتميزين»، و«هذه المقاعد التي تفكر في امتطائها قد حجزت مسبقاً».
إن قتل الطموح عند هؤلاء مهمة سهلة ولا يعاقب عليها القانون، والانتقاص من الناجحين لا يحتاج لمؤهلات عالية، ويكفي أن تمتلك لساناً مدبباً تحركه نفس ضعيفة، وللأسف فإن طموح آلاف الحالمين أريقت بدم بارد لإشباع هذه الشهوات المُحطمة.
زهور التفوق تثير مخالب الفاشل، ونصل أحياناً لمراحل متقدمة من شبق هذه الشهوة الجارحة، لأننا نحاول أن نعوض النقص الذي عندنا، وكما يقول فوفنارغ: (نحن نحتقر أشياء كثيرة لكي لا نحتقر أنفسنا)، ولذلك فالشعور بالرضا والغبطة بعد كل عملية “تحطيم” هو حيلة شعورية نخفف بها عن خيبة أملنا بمنجزاتنا.
مخزوننا اللفظي المتداول يضخ ملايين اللترات في بحيرات الرهاب الاجتماعي، وثقافة “الطنزة” والتحقير نتشربها مع الحليب في طفولتنا، واللغة القذافية نتداولها بكثرة بمرادفات (من أنت؟!!)، وتفتيت الهمة بعبارات من وزن: (ماحد درى عنك)، وحتى الوالدان يستخدمان سلسلة من التعبيرات التي لا تساعد في غرس الطموح عند الطفل، وتبدأ السلسلة اللفظية بغبي وأرفل، ولا تنتهي باستخدام كل أنواع الحيوانات!، وحتى الدعاء يرفع إلى السماء بعبارة: (الله يخلف علي بس)، وفي المقابل نجد الفقر المدقع في عبارات التحفيز من وزن: (أنت قادر، ستنجح، لا تتردد، حاول).
هذه الثقافة المجتمعية تجعلنا نقف ضد من يحاول صناعة الفارق، ولا نساعده في النجاح لأننا ضد الأمجاد الشخصية، ونريد أن يبقى الجميع في قطيع التقليدية، والخروج من هذا القطيع خطيئة تستحق الأذى.
من الصعب أن نخلص المجتمع من الذين يمتلكون هذه الرغبة الجامحة في النيل من الطامحين والانتقاص منهم، وعلينا أن نغرس المناعة الكافية ضد هذه الثقافة التي تحرمنا من إبداع الكثيرين، فمفعول “التحطيم” على الحالم مؤثر وخطير، والهنود قديماً كانوا يقولون: (إبرة التحطيم تثقب رأس السلحفاة)، وتقوية الشخصيات الهشة أمام هذا الفيروس مهمة ليست سهلة، ولذلك علينا أن نأخذ جرعات مبكرة من التطعيم ضد شلل الأطفال وشلل التحطيم.