عبدالله المغلوث
فقد، ريد هاستينغز، شريط فيديو قام بتأجيره. بحث عنه في كل مكان في منزله دون جدوى. اضطر إلى دفع غرامة 40 دولاراً إثر ضياع الشريط والتأخير في إعادته. لم ينته موضوع الشريط إلى هنا. دخل في خلاف مع زوجته بسبب ضياع هذا الفيلم. أدى هذا الشريط إلى اتخاذه قراراً بفتح شركة تقوم بتأجير الأفلام عبر البريد وبمرونة كبيرة. يدفع الزبون مبلغ اشتراك شهري لتأجير أفلام عديدة تصله عبر البريد دون أن يتكبّد وعثاء الذهاب إلى محل التأجير. تتم العملية بسلاسة عبر الإنترنت، وتتيح الشركة للزبون الفرصة لتمديد تأجير الفيلم لمدة طويلة دون رسوم.
بدأ العمل بـ 30 موظفاً و925 مادة متاحة للتأجير. حققت الشركة نجاحاً سريعاً. شهدت إقبالاً كبيراً من المشتركين الذين تهافتوا على الاشتراك.
شجّع هذا النجاح هاستينغز على تطوير هذا المشروع. شعر بأن العصرالحالي يتطلب أن تقوم شركته بتطوير أعمالها حتى لا تصبح ذكرى. قام بإنتاج أفلام ومسلسلات خاصّة وحصرية تذاع عبر موقع شركته “نيتفليكس”.
سجّلت هذه المبادرة فتحاً في الـ “ستريمنغ”. ارتفعت أعداد المشتركين في الموقع. هزت هذه الخطوة أهم شركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية في أمريكا وبريطانيا. باتت هذه الشركة اليافعة تهدّد مستقبلهم وإرثهم.
تحالفت قنوات وشبكات: إن بي سي، وفوكس، وديزني، وأيه بي سي، عبر منصة هولو التي أنشأتها خصيصاً؛ لوقف مد “نيتفليكس”، لكنها لم تستطع وإنما زادتها قوة.
حصلت برامج “نيتفليكس” على جوائز مرموقة كالقولدن جلوب وغيرها، اعترافاً بقيمة ما تنتجه وتنشره على منصتها.
خسارة هاستينغز 40 دولاراً جعلته يفوز بمليارات. خسائرنا المريرة طريقنا لانتصاراتنا الكبيرة.
يقول هاستينغز إن فكرة المشروع هطلت على رأسه وقادته إلى تنفيذها فوراً. لم تتح له فرصة ليقول “اممممممم” أو يفكر. شرع مباشرة في بلورتها إلى واقع.
ثمة أفكار لا تقبل التأجيل. مثل الحليب ذي الصلاحية المحدّدة. إذا لم تشربه في الوقت المحدّد أهدرته.
لو لم يقم هاستينغز بالعمل على هذا المشروع ربما قام به غيره وخسره. في عصرنا الحالي الأفكار تتطلب تصدياً سريعاً لها قبل أن يخطفها غيرك.
نؤجّل مشاريعنا غير مدركين أن تأجيلنا لها هو إعدام لأحلامنا. إن الأفكار نعمة لا تستحق العقوبة والسجن في صدورنا بين ضلوعنا. تستحق الحرية والاحتفاء والانطلاق.