عبدالله المغلوث
قبل سنوات عدة دُعيت لزيارة شركة خاصّة برفقة صديق. استقبلنا موظف دمث الخلق لاصطحابنا في جولة على مرافق الشركة. قال له صديق على وجه الدعابة قبل أن نستهل الجولة: “ممَّ تعاني.. وجهك أصفر.. وعلامات الإرهاق والإعياء على محياك؟”. سؤال صديقي فتح صنبور الكلام من فم الموظف. اندلع منتحباً: “أعاني ضغطاً شديداً في العمل والمنزل. أعمل صباحاً وأدرس ليلاً، ناهيك عن بعض الظروف الخاصّة”. بعد أن رافقنا الموظف في جولة قصيرة استأذن وحلّ محله موظف آخر. سأل صديقي الموظف الآخر عن زميله، فقال إنه انصرف بعد أن شعر ببعض الإعياء. قال صديقي للموظف: “إننا كنا نمزح مع زميلك. أرجوك أخبره بذلك. ربما توهم المرض بسبب كلامي”.
إن الكثير من أمراضنا وأعراضنا هي محض وهم وليست حقيقة. يقول الدكتور ريتشارد ستيبرن، الطبيب النفسي في مستشفى سانت جورج، إن خبراء في وزارة الصحة البريطانية بدأوا في إجراء عمليات علاج نفسي وعضوي لهذا النوع من المرضى بالوهم.
وأشار الدكتور ستيبرن إلى أن هناك مَن يتخيّل أن درجة حرارته مرتفعة وأنه مصاب بحمّى، بينما هو لا يعاني أيَّ شيء على أرض الواقع. وأكد الخبير النفسي أن هذه الحالة أدت إلى انهيار المستقبل العملي لهؤلاء المرضى بالوهم، الذين أُصيبوا بالعجز إثر ما يشعرون به من مشاعر وأحاسيس.
أؤمن أن آلافاً حولنا مرضى بالوهم. فهم يعانون نفسياً ولكنهم لا يعلمون. يداومون ولا ينتجون. يعيشون بيننا لكنهم ميتون.
إننا شعوب نقلل من قيمة الطب النفسي رغم أهميته القصوى في حياتنا. نستطيع أن نتغلب على الكثير من أحاسيسنا ومشاعرنا المزعجة عند مراجعة مختصّين وعدم تسليم أنفسنا للخيال السلبي.
لا خيار أمام الكثير منا سوى العلاج النفسي والتخيُّل الإيجابي لعله يداوينا ويشفينا بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
الأمر في اعتقادي يتجاوز الشعور بالمرض، وإنما الشعور بالحزن.
نتوهم أحيانا بأننا حزانى دون مبرر. نكدر حياتنا وحياة مَن حولنا ونمرض. فلِمَ لا نتوهم أننا بخير؟ إن الحزن أشد من كل الأمراض. لديه قدرة على تفتيت كل لحظة سعيدة وتحويلها إلى تعيسة. إنه كالنار يحرق كل ما أمامه دون رحمة أو رأفة، كعدوى فتّاكة تنتقل إلى كل خلايانا فتصيبها في مقتل. تنتقل إلى جيراننا فتدمّر كل لحظاتهم.
علينا أن نساعد أنفسنا وغيرنا بإمداد من حولنا بمشاعر إيجابية تواجه هذا الكم الهائل من الأحزان والأوهام.
لو شرعنا في علاج وهم حزننا ستتغيّر حياتنا. ستتغيّر إلى الأفضل.