إنّه الشّاعر السّوريّ الدّكتور أكرم جميل قُنبس، حيث قالت عنه سعادة الدّكتورة البروفسورة “رفيعة غباش”: “هو شاعر العربيّة”، وقال عنه الدّكتور البروفسور والأديب “عمر عبدالعزيز”: “أكرم جميل قُنبس يُذكّرني بمولانا جلال الدّين الرّومي، وإنّه من سادة البيان والبديع في عصرنا”، وقال عنه سعادة الأستاذ الدّكتور “رشاد سالم” مدير الجامعة القاسميّة – سابقاً – في الشّارقة: “أكرم جميل قنبس شاعر البيان العربي، وإنّ شعره وأخلاقه وأدبه كفيلٌ بتتويجه أميراً للقلوب، وليس أميراً للشّعر والشّعراء فقط”، وقال عنه سعادة البروفسور الدّكتور الشّاعر السّوري “أحمد أسعد الحارة”: إنّ أكرم جميل قنبس رمزٌ من رموز الثقافة السّوريّة”،…
لقد صدر له أكثر من خمسة وعشرين ديواناً من الشّعر، ماعدا الدّراسات الأدبيّة والنّقدية واللّغويّة والتّربويّة، والطّب البديل، ومن بين هذه الدّواوين نشير إلى ديوانه “تجلّيات عاشق الأبجديّة” الّذي يُعدّ أوّل ديوان شعريّ في مسيرة الشّعر العربيّ تتغنّى قصائده بِحُبّ اللّغة العربيّة وما لها من مكانة سامية، وقد صدر هذا الدّيوان عن جمعيّة حماية اللّغة العربيّة في الشّارقة، كما حظيت قصائده في اللّغة العربيّة أن يختار مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لخدمة اللّغة العربيّة في مدينة الرّياض بالمملكة العربيّة السّعوديّة إحدى عشرة قصيدة من بين القصائد الّتي تضمّنها ديوان “لُغة النّور” الصادر عن المركز،…
وقد كان لنا شرف اللّقاء بالشّاعر الدّكتور أكرم جميل قُنبس في مدينة الشّارقة مُشاركاً في مهرجان الشّارقة للشّعر العربيّ، حيث أجابنا عن تساؤلاتنا الآتية،…
س١/ لكل شاعر امتداد ونقطة ميلاد، هل كان في مسقط رأسك أو بيئتك أو في عائلتك من كنت له وريث المشاعر ومحكم للشعور لتكون شاعرا.
إنّ الشِّعر لا يولد فجأة، أو يوهب من فراغ، ولقد كان لي شرف الانتماء شعريّاً إلى عائلتي، فوالدتي كانت تقول الشّعر الشّعبيّ ارتجالاً، وكذلك كان والدها، رحمهما الله، وإذا بحثنا في أعماق الأصول فسنجد أنّني أحد المُنتمين إلى نبض وبيئة الشّاعر العربي الكبير حبيب بن أوس الطّائي المُلَقّبِ بأبي تمّام.
وفي ذلك أقول من الشّعر الشَّعبي:
جدّي أنا يقولون حاتِمْ ابن طَيْ وجدّي أبو تمّام ذاعت اشعارهْ
نعيش بين النّاس كالشَّمس والمَي وماحد منّا بهالعُمر باق جارَهْ
لذلك فقد اجتمعت ظروف متعدّدة لتجعل من شخصيّتي شاعراً، سواء أكان ذلك من ناحية الوراثة أم من ناحية البيئة الجميلة وذات التّاريخ العريق في سهل حوران الخصيب.
وَللعلم فإنّني كتبتُ الشِّعر منذ دراستي في المرحلة الإعداديّة، ولم أكن يومها أعلم شيئاً عن موسيقى الشّعر وأوزانه ولكنّني قُلتُه موزوناً مُقفّى وذو معنى.
س٢/ما الذي يقودك لتحاكي مخاض الشعر: هل الإيقاع أم موسيقى الشعر أم كلاهما؟
مخاض الشِّعر هو حالة شعوريّة يعيشها الشّاعر وفق مؤثّرات خارجيّة أو داخليّة، فتصنع في شعوره حالة مخاض لولادة قصيدة جديدة، وحينها يكون جناحاها الإيقاع ورسالة النّصّ الشعري، وإذا ما تحرّكت هواجس الشّعر وذبذباته فعلى الشّاعر التقاطها قبل أن تتفلّت من بين يديه،…
س٣/ هل تكتب رسالتك أم مشاعرك فقط على قالب شعري؟
لابُدّ من مُحرّضات خارجيّة، أو حالة شعوريّة يعيشها الشّاعر، وربّما تكون هذه الحالة عاطفيّة من حيث الحُبّ، أو وطنيّة، أو اجتماعيّة بسبب موقّف مؤثّر، فتجيء القصيدة في قالبها الشّعري والشّعوريّ الّذي اختارته المشاعر وفق قالب محدّد لا علاقة للشّاعر بتحديد إطاره، أو لونه، أو …
س٤/ هل تنتمي لمدرسة شعرية معينة أو ثمة تصنيف لميولك الشعري؟
في مجال النّقد يقولون: إنّ الشّاعر أكرم جميل قُنبس من شُعراء القصيدة العموديّة، وأنا أُقِرّ بذلك، ولكنّ ما كتبتُه من شعر في شكل قصيدة التّفعيلة لا يقلّ عمّا جاء بالشّكل العمودي، وللنّقاد والباحثين أن يعودوا إلى دواويني الشّعريّة مثل: لهيب الانتماء، و: صلاة على روح امرأة، و: ليل جيكور، و: قنديل لمدينة مُتعَبة،…
س٥/للشاعر ميل نظمي معين أو يسكب على قالب شعري معين هل يقودك الوزن والبحر والقافية أم هي راحلتك الإبداعية تقود الطريق؟
ليس لي شأنٌ في اختيار القالب الشّعري وزناً وبحراً وقافية للقصيدة، فالقصيدة هي الّتي تقتحم مشاعري بمطلعها، وبوزنها، وبقافيتها، وبمفرداتها، وبشكلها، وبطعمها وبلونها، وبكل ما يجيء فيها من جماليّات مُمكِنة، ومؤثّرات جاذبة أو مُنفّرة،…
س٦/ ما القالب الشعري الأقرب لنفسك الفخر، الحماسة، الغزل، أم أغراض معينة تحب أن تصوغ قصيدتك عليها؟
في الحقيقة إنّ من يتأمّل إنجازي الشِّعري الّذي صدر منه حتّى الآن ما يقرب من خمسة وعشرين ديواناً، بالإضافة إلى رسالتي الشِّعريّة الصّباحيّة الّتي يُتابعها المئات منذ خمس سنوات تُفصح عن الإحاطة الشّموليّة بموضوعاتٍ شعريّة مُمتدّة فخراً وحماسة وغزلاً ووطناً وإنسانيّة وحكمة،…
س٧/ كيف ترى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر؟ هل لك طريق لهذا النوع من الكتابة؟
لا يستطيع أحدٌ أن يُنكر أهميّة قصيدة التّفعيلة الّتي هي ابنةٌ شرعيّة للقصيدة العربيّة العموديّة الأصيلة، فهي تتحرّك وفق أوزانها وقواعدها، مع وجود مُتّسع أمام الشّاعر في مساحة التّفعيلات بكلّ شَطر شعريّ، إذ إنّنا نجد في ذلك مساحة كافية للبوح الشّعوري الإبداعي الّذي أكسبته قصيدة التّفعيلة لتجربتنا الشّعريّة، كما أنّ قصيدة التّفعيلة تُعطي الشّاعر مساحة أكبر للتّحليق في سمائها بشكل أكثر رحابة وابداعاً، ولنا في تجارب الشّاعر بدر شاكر السّيّاب ونازك الملائكة وسواهم نماذج فريدة،…
أمّا بالنّسبة إلى قصيدة النّثر فإنّني مُقِلّ فيها جدّاً جدّاً، ولا أستطيع المضيّ فيها قُدما كشكلٍ مازال إطاره مضطرباً، ولم يتوصّل مَن قاربوا هذا النّوع إلى وضع قواعد محدّدة كما هي للقصيدة العموديّة وابنتها قصيدة التّفعيلة،… بالإضافة إلى أنّ كثيرين ممّن كتبوا هذا النّموذج أساؤوا إليها من باب استسهال الكتابة فيها، ولعلّك تقرأ في كثير من النّماذج شيئاً من عدم الانسجام موضوعاً، أو ضعفاً لغويّاً، أو انسياقاً وراء هلوسات لا تزيدك إلا غثياناً، وقد كان لنفرٍ قليلٍ ممّن كتبوا هذا النّموذج التّوفيق مثل محمّد الماغوط، وغيره،..
س٨/ ما الذي يؤثر فيك لتكتب قصيدتك: هل هو الموقف أم الهم الذاتي الذي بداخلك؟
أعتقد أنّ الموقف هو الّذي يفرض حالة القصيدة سواء أكانت همّاً ذاتيّاً أو عامّاً، وإنّ المؤثِّرَ الأوّل الّذي حرّك كوامن المشاعر تجاه موقف ما هو الّذي جعل الشّاعر يجيش بمشاعره ليسكب عطره أو وجعه في قالب القصيدة الممكن،…
س٩/ إلى أي مدى تقودك القصيدة الفصيحة، هل تعبر عنك بشكل جيد أم تجد جمهورك أو الفئة المستهدفة لهذه القصيدة تأخذك لتصنع ما يريدون منك؟
لأنّني من أبناء اللّغة العربيّة الأصيلة مَحتِداً ودراسة فمن الطّبيعي أن أجد فيها الأداة القويّة الّتي تحمل رسالتي الشّعريّة بكلّ أبعادها، ولا أستهدف بها فئة مُعيّنة، فلست ممّن يؤمنون بوعورة ألفاظ القصيدة، بل أكتبها بلغة مناسبة لكلّ المستويات، فإذا قرأها الإنسان العاديّ أو استمع إليها وجد فيها ما يليق بمشاعره وفكره وحياته، وإذا قرأها الباحث أو الدّارس أو النّاقد أو العالِم وجد فيها نصّاً لا يمكن الانسحاب من بين يديه دون صيدٍ ثمينٍ في حياته الإنسانيّة بشكل عامّ،…
س١٠/ هل شعراء المعلقات لهم أثر ما عليك؟
شعراء المُعلّقات هُم أساتذتي منذ كنت صغيراً، ولقد قرأت مُعلّقاتهم الّتي مازال ديوان العرب يفخر بها، وسيبقى مدى الحياة كذلك، فهم قدوتنا، ولا نستطيع نكران ما وهبوه لنا من بيانهم الرّائع وحكمتهم الّتي مازلنا نستشهد بها في كلامنا كما في معلّقة زهير بن أبي سلمى شاعر الحكمة،…
س١١/ هل تجد وجودك في مثل هذا المهرجان صلة بالرسالة الإنسانية التي حكمت قصيدتك ومفرداتك وتكون بها أثر تفاعلك مع الحدث؟
مهرجان الشّارقة للشّعر العربي في دورته العشرين أنا أعيشه منذ بداية انطلاقه في الشّارقة عاصمة الثّقافتين العربيّة والإسلاميّة، وكان لي شرف حضور افتتاح بيت الشّعر في الشّارقة عام 1997م، كما كُنت أوّل من كُلِّف من قِبَل دائرة الثّقافة والإعلام في حكومة الشّارقة بإعطاء أوّل دورة لأصحاب المواهب الشّعريّة لمدّة ثلاثة أشهر مطلع عام 1998م – من شهر يناير إلى مارس – بإشراف سعادة الأستاذ عبدالله العويس الّذي هو حاليّاً رئيس دائرة الثّقافة، وبالتّالي فليس غريباً أن تراني مُتفاعلاً مع هذا الحدث الكبير الّذي رسّخ دعائمه صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ عضو المجلس الأعلى لاتّحاد دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، وحاكم الشّارقة، والرّاعي المُبادر بكلّ طاقته الثّقافيّة والعربيّة الأصيلة لدعم مسيرة الشّعر والثقافة والإبداع بشكل عامّ، وأحبّ أن أُضيف هنا إلى أنّني أوّل شاعر عربيّ يكتب ديواناً كاملاً بعنوان (ترانيم على ضفاف الشّارقة) تمّ إهداؤه إلى مقام صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ – رعاه الله – وقد تكرّمت منطقة الشّارقة التّعليميّة بطباعة هذا الدّيوان عام 2014م وتمّ توزيعه على المدارس والهيئات الرّسميّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، وقد تكرّم صاحب السّمو الحاكم بإرسال رسالة شكر وتقدير خاصّة لي بعدما تشرّفت بإهدائه نسخة من الدّيوان،….
س١٢/ ماذا تعني لك المقاطع الشعرية لحظة الإلقاء الشعري حين نتحدث عن المطلع للقصيدة المبتكرة بعيدًا عن عادة الشعراء في استهلال قصائدهم؟
المقاطع أو المقطوعات الشّعريّة تحمل رسالة شعرية مختصرة وفيها تبرز قدرة الشّاعر على إحكام فكرته بعدد قليل من الأبيات الّتي تسري مسرى المثل
أو الحكمة أو الرّسالة الشّعريّة الخاطفة الّتي يريد نقلها للمستمعين بكلّ ثقة، وبكلّ رغبة هادفة إلى إبراز قدرته على امتلاك هذه الخاصّية الفريدة، لأنّه سيكون كالغوّاص الذي أنجز مهمّة الغوص وعاد باللّؤلؤ الثّمين،…
س١٣/ هل القافية في وقتنا الحالي مجال لدهشة المستمع ولفت لانتباه الشعراء حين يقدم شاعر متمكن قافية نادرة أو ذات إيقاع جديد الحبكة؟
لا شك في ذلك، فمازالت القافية تثير الدّهشة لدى المستمع، وتلفت انتباه الشّعراء إلى أهمّية اختيارها حين يتحرّك مطلع القصيدة في أحشاء الشّعور، وإنّ كلّ شاعر لديه الطّموح إلى الفوز الكبير بذائقة المُتَلقّي، ولذلك فهو يحاول جاهداً أن ينتقي القافية والإيقاع والحبكة الّتي لها أبعادها الشّعوريّة والشّعريّة والتأثير في عقول النُّقاد ليلتفتوا إليها،… فعلى سبيل المثال مازالت (سينيّة) الشّاعر البحتري تحفر أخاديدها في أعماق النّفس همساً وشجوناً،…
س١٤/ هل تعتبر القصيدة العمودية الكلاسيكية ذات نمط مستهلك ومجرد قالب يركب عليه الشاعر أم أن الحداثة والتجديد أخذ مأخذاً فيها؟
لا يمكننا القول المطلق بأنّ القصيدة العموديّة أصبحت نمطاً يُغَرّد خارج سرب الشّعر العربي، فهذا الأمر فيه جَوْرٌ كبيرٌ يُسَوّق له مَن لا يستطيعون كتابة القصيدة العموديّة، وهو مرهون بقدرة الشّاعر نفسه على إنتاج القصيدة، إذ إنّ القصيدة ليست شكلًا فقط، ولا كلاماً فقط، ولا انحيازاً إلى الشّكل القديم كيفما جاءت أفكار الشّاعر، بل إنّنا لا نعتدّ بالقصيدة العموديّة الّتي تفقد جماليّات الشّعريّة، والّتي لا تزيدنا تأثّراً، ولا تُعطينا أبعاداً فنيّة مُعبّرة عن قُدرة الشّاعر على بناء نصّ شعريّ يتمرفأ في أعماقنا بكل أجنحته الإبداعية،..
س١٥/ هل توجد قصائد تمت كتابتها خاصّة بحدث المهرجان خصيصا هذا العام؟
ليس من الضّروري أن يكون الشّاعر باحثاً عن ذلك إلّا بقدر إيمانه بالرّسالة الشّعريّة والإبداعيّة والثّقافيّة التي ألبسنا ثوبها صاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ، حاكم الشّارقة – رعاه الله- الّذي جدّد الأمل بقلوب الشّعراء العرب بأنّ هناك من يحمل معهم راية الشّعر المبدع، وهموم الشّعراء الباحثين عن راية تقودهم نحو مزيد من الإبداع، وهذه قصيدة جدية كتبتها قبل أيّام، عنوانها سُلطان شارقة الإلهام، وفيها أقول:
سُلْطانُ شارِقَةِ الإِلْهامِ
شِعر: د. أَكرم جميل قُنْبُس
هُنا بِشارِقَةِ الإِلْهامِ والأَدَبِ
وَدُرَّةِ الشِّعرِ والإِبْداعِ والخُطَبِ
دارُ العُروبَةِ والإِيمانِ، حَصَّنَها
رَبِّي بِحِكمَةِ رُؤْيا شَيْخِنا الذَّهَبي
سُلطانُ أَسْرَجَ لِلْعَلْياءِ هِمَّتَها
صَدّاحَةً فَوْقَ دَوْحِ العِلْمِ والكُتُبِ
تَبَلْسَمَتْ أُمنياتُ الشَّعبِ فيهِ، فَقَد
أَسْرى لَها غادياتِ العاشِقِ النَّجِبِ
وَأُمَّةُ الشِّعرِ في مَيْدانِهِ اتَّحَدَتْ
وَأَيْقَظَتْ ما شَداهُ بُلْبُلُ الحِقَبِ
أَجْرى لَها شَيْخُنا مِنْ بَحرِ كامِلِها
أَوْ المَديدِ شُعوراً عاطِرَ السُّحُبِ
فَلْتَبْتَهِجْ يا قَريضَ العُرْبِ فيهِ، فَقَدْ
أَوْثَقْتَ فيهِ عُرى الأَمْجادِ والنَّسَبِ
هُنا بِشارِقَةِ الإِبْداعِ مِعراجُنا
شِعرٌ، وَمَوْئِلُنا سُلطانُنا العَرَبي
شَيْخُ العُلومِ، وَشَيْخُ المَكْرُماتِ، وَفي
مِنْهاجِ أَفْكارِهِ نُوْرٌ لِكُلِّ أَبي
شَبَّ اليَراعُ بِهِ نَبْضاً لِكُلِّ هُدىً
وَجَرَّ مَجْدَ العُلا في واحَةِ الشُّهُبِ
شُكْراً إِلى رَمْزِنا سُلْطانَ، إِنَّ لَهُ
عِنْدي مَقاماً بِهِ ساوى مَقامَ أَبي
قولوا هَنيئاً لَنا في مِثْلِهِ، فَلَقَد
أَقامَ لِلشِّعرِ عَهْداً باذِخَ الرُّتَبِ
س١٦/يقال إن لكل شاعر طقوساً للكتابة والإلهام، فهل لك طقس خاص يمكن أن تكشفه لنا لبناء قصيدة؟
طقوس الإلهام عندي هي الّتي تقتحم مشاعري ووقتي ويقظتي ومنامي وحالاتي الإنسانيّة، وليس لي وقت محدّد للكتابة إلّا عندما أعيش حالة شعوريّة تتعلّق بما هيّج مشاعري وأشجاني وألحاني لأعزف ما يبوح به القلب، وما تجود به المشاعر نصّاً لا يخلو من رسالة مهمّة، ومن احترام لذائقة القارئ بشكل عامّ، تخيّل أنّني أحياناً أستيقظ من نومي لكتابة أبيات، أو التوقّف على جانبيّ الطّريق وأنا أقود سيّارتي لتسجيل بيت أو بيتين من الشّعر،…
س١٧/ من هم أبرز الشعراء المعاصرين في رأيك وهل توجد قصائد ما تعتبرها معلقة هذا الزمن؟
لا يمكنني أن أشير إلى شاعرٍ واحدٍ بعينه في عصرنا، ولكنّني أزعم أنّني أستمع بين الفينة والفينة إلى نماذج من عيون القصيد العربي، سواء أكان ذلك من شعراء متقدّمين بالعُمر، أو ممّن هُم في سنّ الشّباب المُبدع،…
س١٨/ الشواهد على العصر كثيرة هل توجد قصيدة فصحى حالياً تُعدّ شاهداً على العصر؟
رُبّما إذا كرّرت الإشارة إلى ديواني (ترانيم على ضفاف الشّارقة) أكون مُحقّاً في ذلك من حيث أن القصيدة الفصحى استطاعت أن تكون شاهداً ناطقاً لإنصاف مسيرة الشّارقة حاكماً ومُبدعاً وراعياً للثّقافة، وفي لقائي بصاحب السّمو الشّيخ الدّكتور سلطان بن محمّد القاسميّ – رعاه الله – قبل فترة قلت لسموّه إنّنا عندما نُحبّك ونكتب فيك قصائدنا لا نطمح بعطايا مادّية أنت تمنحها لنا بقدر ما نرغب في إرسال رسالة إلى الأجيال القادمة والتّاريخ المقبل عن كريم مواقفك وإسباغك علينا ثوب رعايتك الكريمة الّتي جعلت للشّعر مكانة، وللثّقافة رسالة، وللتّاريخ عطراً خاصّا بسموّك نرغب توثيقه بكلّ أمانة للمُستقبل، فإنّ ما أعطاه سيف الدّولة الحمداني للشّاعر المتنبّي انتهى وذهب، ولكنّنا قرأنا في شعر المُتنبّي عن عظمة هذا الأمير الّذي كان متميّزاً في عصره عن غيره بكل أبعاد الحياة جهاداً وثقافة ومكانة،…
س١٩/ هل أمير الشعراء في زمننا الحالي يحمل صفة شعراء المعلقات؟
لا أعتقد ذلك من وجهة نظري، لأنّني أطمح أن تكون المسابقات الشّعريّة العالية المستوى مباشرة وارتجالاً، وليس أن يذهب الشّاعر ويكتب قصيدة في خمس عشرة أو عشرين بيتاً ويأتي بعد أسبوع مثلاً، وربّما يستشير بها مَن يراه قادراً على تعديل بعض جوانب القصيدة لتكون متميّزة، بل إنّ الفروسيّة في الشّعر أن يكون الشّاعر فارس التّحدّي المباشر وجهاً لوجه، وأن يكون للجمهور دورٌ في تقدير ما يستحقّه الشّاعر من لقلبٍ يليق به أو لا يليق،..
س٢٠/ هل الشاعر الفصيح مظلوم إعلاميًا وحضوريًا مقارنة بشعراء النبط والشعر الشعبي الأكثر تداولاً بين الناس؟
الجواب هنا متعلّق بالمكان، وليس بأفضليّة نوع على آخر، ففي منطقة الخليج العربيّ مثلاً يُحبّون الاستماع إلى قصائد الشّعر النّبطي والشّعبي بشكل كبير، وذلك لأنّ طبيعة البيئة مرتبطة بشعور الأهل هنا، وإذا ما ذهبنا إلى مكان آخر إلى سوريّة مثلاً سنجد أنّ النّاس يرغبون بالدّرجة الأولى الاستماع إلى الشّعر الفصيح، وهكذا،… وبالتّالي فإنّ الإعلام سيقوم بأداء رسالته وفق الأنشطة لكليهما،…