• 05:54:21am

أحدث الموضوعات

الثقافة السعودية واحة الصمود

تعليقات : 0

أصداء الخليج
بقلم: سلمان بن أحمد العيد

في عصر يُعلي من شأن العولمة ويُذيب الحدود، تبرز الثقافة السعودية كواحة صمود توازن بين الحفاظ على هويتها والانفتاح على الثقافات العالمية. نستكشف في هذا التحليل كيف يمكن للمملكة التعامل مع تحديات العولمة مع الإبقاء على أصالتها الثقافية وقيمها الاجتماعية.

ففي جوهر النسيج الثقافي السعودي، يكمن التراث العريق الذي يعود إلى آلاف السنين، من النقوش الصخرية في العلا إلى الأشعار النبطية التي ترددت في ديوانيات البادية.

وبينما نشهد تطورات متسارعة في المجتمع السعودي، يظل التحدي قائمًا في كيفية ترجمة هذا التراث إلى لغة يفهمها العالم، دون أن يفقد الثقافة جوهرها أو يتم استلابها.

يقدم الأدب السعودي، وبخاصة الرواية والشعر، مرآة للتحولات الاجتماعية والثقافية التي تمر بها المملكة. يتسم الأدب السعودي الحديث بالعراقة والتنوع، مقدمًا تأملات ثاقبة في الهوية والتقاليد، ومرتحلاً بين الخيال والواقعية.

تواجه اللغة العربية في السعودية تحديات جمّة في زمن العولمة، حيث تتسرب الكلمات والعبارات الأجنبية إلى اللهجات المحلية، وتبدو الحاجة ملحة لإعادة اكتشاف جماليات اللغة وضرورة تعزيز استخدامها بطرق مبتكرة تتواءم مع العصر محتفظة بأصولها.

وتجلى مهمة الثقافة السعودية في تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأصالة واستيعاب مقتضيات التغيير والتطور. لعلّ أبرز الأمثلة على ذلك هو مشروعات البنية التحتية الثقافية الضخمة مثل “مشروع القدية” و”مدينة الثقافة والفنون”، التي تُظهر التزام المملكة بتعزيز الثقافة والفنون.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تغيرات ملموسة تتعلق بدور المرأة في المجتمع السعودي، وهو ما انعكس إيجابًا على الثقافة بمختلف أشكالها. المرأة السعودية اليوم تتبوأ مناصب قيادية، تكتب، تخرج أفلامًا، وتشارك في الحوار الثقافي والفكري بقوة وثقة.

المكتبات في المملكة تشهد تحولاً جذرياً، فهي لم تعد مجرد مخازن للكتب، بل أصبحت فضاءات تفاعلية تجمع بين التراث والتكنولوجيا الحديثة. مكتبة الملك فهد الوطنية، مثالٌ بارز على ذلك، حيث تشهد توسعاً في خدماتها الرقمية، وتوفر مصادر معرفية تخدم الباحثين والطلاب والقراء من كل الفئات.

لا يمكن للمرء أن يتجاهل المباني التاريخية التي تنفست من جديد عبر مشاريع الترميم والتحديث، والتي تقف الآن كشواهد على مدى الاهتمام بصون الذاكرة الوطنية. الدرعية العتيقة، جدة التاريخية، وغيرها من المواقع، أصبحت اليوم تزهو بماضيها، مقدمةً نموذجاً لكيفية الجمع بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على متطلبات العصر.

وتتجلى رؤية المملكة 2030 في تقديرها للثقافة كقطاع حيوي للتنمية المستدامة. إن السعي نحو تحقيق انتعاش ثقافي يسير جنباً إلى جنب مع الطموحات الاقتصادية والاجتماعية، معلناً أن النهضة الثقافية ليست ترفاً بل هي ضرورة حضارية تمس الروح والعقل على حد سواء.

في ظل التطورات الراهنة، يُصبح الحوار الثقافي ضرورة لا غنى عنها للحفاظ على الهوية وتعزيز المشاركة الفاعلة في الساحة العالمية. يجب أن يكون هذا الحوار بنّاءً ومعبرًا عن قيم المملكة وتطلعاتها نحو المستقبل.

في ختام هذه الرحلة الفكرية، نؤكد على أهمية الثقافة جسرا للتواصل بين الشعوب وكوسيلة للتعبير عن الهوية والتطلعات. وفي هذه المسيرة، تظل المملكة العربية السعودية ملتزمة برعاية ثقافتها، مع الانفتاح الحكيم على ثقافات العالم، معبرة بذلك عن ازدهار حضاري يخلق توازنًا بين عبق التاريخ ونسمات التقدم.

بقلم: سلمان بن أحمد العيد
رئيس التحرير

أضف تعليقك

برجاء الكتابة باللغة العربية فقط comments are disable

التغريدات