متابعات – الرياض :
تستمر الحياة بلا ضوء الشمس، إذا كان القلب ممتلئاً بالنور؛ ليضيء من حوله، فالنجاح مرتبط بقبول التحدي والإصرار على مواصلة الطريق، وأقرب مثال على ذلك فتياتنا الكفيفات، حيث واصلن دراستهن وتفوقن وأبدعن وقدمن خدماتهن للناس والمجتمع، إلاّ أنهن يتطلعن إلى لفتة وفاء وتقدير من قبل المسؤولين.
وينتظر “الكفيفات” وقوف المجتمع معهن، سواءً من جهة أفراد المجتمع الذين لهم دور كبير في رفع معنوياتهن، والتعامل معهن بطريقة تتناسب مع أوضاعهن، أو من جهة المؤسسات الحكومية عبر توفير الوظائف المناسبة مع إمكاناتهن ومؤهلاتهن العلمية.
وتتطلع جمعيات الكفيفات إلى مد يد العون من قبل القطاع الخاص، عبر رعاية البرامج والفعاليات والدورات، وكذلك الدعم المادي والإعلامي ومساندتهم في ما يقدمونه، وتمكين أعضائها من الإفادة من الخدمات التي تقدمها الشركات دون مقابل أو بتخفيض، إضافةً إلى توظيف الكفيفين والكفيفات في مؤسساتهم وشركاتهم في مناصب تليق بتعليمهم وشهاداتهم، وبرواتب تناسب مع حالاتهم، مع الحرص على تطوير قدراتهم.
دفعة قوية
وقال “نداء القصيبي” -مديرة القسم النسائي بجمعية النقل التعاوني إحساس-: درست المرحلة الابتدائية بالمدارس العامة، لكن في المرحلة المتوسطة انتقلت إلى معهد النور بعد الإصابة بانفصال الشبكية، مضيفةً: “ما حدث لم يغير في داخلي شيئاً، بل أعطاني دفعة قوية إلى الأمام ودفعة حب وعطاء، حيث تخصصت في الجامعة تربية خاصة، ودرسّت فيها أيضاً لغة برايل في المستوى السابع كلغة مساندة لطالبات العوق السمعي؛ لاحتمال أن تقابلهم حالات إعاقة مزدوجة”، مبينةً أنها كانت أيضاً أخصائية صعوبات تعلم في مركز خدمات التربية الخاصة بالجامعة، ومساءً كانت تدرس في تعليم الكبيرات، مشيرةً إلى أنها أعطت أيضاً دورات في لغة “برايل” في الجامعة وجمعية المكفوفين، مؤكدةً على أنه بعد تسع سنوات خبرة لم تحتسب لها تم تثبيتها كمعلمة للمرحلة المتوسطة.
قلة المناهج
وحول “إحساس” أوضحت “نداء القصيبي” أنها مجموعة تطوعية لخدمات النقل تتعاون مع فئات المجتمع، تحولت إلى جمعية برخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وتضم (70%) احتياجات خاصة، لافتةً إلى أن (60%) منهم نساء، ويرأسها “سامي أحمد الغامدي” -مؤسسها-، موجهةً من خلال الرياض دعوة لكل رجال وسيدات الأعمال للمساهمة ودعم الجمعية، فبعطائهم تنشط. وأشادت بمدرستها كإدارة ومعلمات، مضيفةً أن المشكلة في المناهج، حيث يُعانين من نقص المناهج، فمنهج اللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم لم يوفر للطالبات منذ النصف الأول من العام الدراسي إلى الآن، متمنيةً توفير الأجهزة التقنية الجديدة للطالبات وخصوصاً جهاز “برايل سنس”، مبينةً أنه بالنسبة للوظائف مازالت الخدمة المدنية تشترط خريجات مسار عوق بصري، رغم اقفال الجامعة لمساره حتى تتوزع الطالبات على الأقسام الأدبية الأخرى، مؤملةً تعديل الشرط لشهادة معاهد النور الثانوية ثم أي تخصص جامعي.
أولوية التوظيف
وأشارت “أحلام الخالدي” -بكالوريوس تخصص عقيدة- إلى أنه انتقل أهلها إلى الرياض لإكمال دراستها بمعهد النور هي وشقيقاتها الكفيفات الست، مضيفةً أنها تخرجت من الجامعة بمعدل (3.93) لكن مازلت عاطلة عن العمل، مبينةً أنهن ثلاث جامعيات عاطلات والرابعة على وشك التخرج، حيث سجلن بجدارة وينتظرن الوظيفة، مؤكدةً على أن حقهن مهضوم بالتوظيف، متمنيةً من القطاع العام والخاص توفير وظائف تناسبهن، إلى جانب منحهن أولوية التوظيف بمعاهد النور ومدارس الدمج، ذاكرةً أنه تم توظيف (12) مبصرة قبل عامين بمعاهد النور بعضهن بشهادة الدبلوم فقط وبدون خبرة، لدرجة أن إحداهن دخلت على الكفيفات لأول مرة وقالت: “طلعوا أقلامكم”!، متطلعةً إلى توظيفهن في أقرب فرصة.
وحول التدريب قالت: حصلت من جمعية كفيف على دورة حاسب آلي، ودورة “آيفون”، وكذلك دورة “جهاز برايل سنس” وهو جهاز كمبيوتر يترجم باللمس تكلفته (25) ألف ريال، وقد كانت ضمن دفعة محظوظة صرفت لها الجامعة الجهاز ولكنها لم تعد الكرّة.
لا أستخدم العصا
وعن برنامجها اليومي أكدت “أحلام الخالدي” على أنه يشمل أعمال المنزل الاعتيادية من تنظيف وطبخ، مضيفةً أن شقيقتها الصغرى “عذاري” -كفيفة أيضاً- إلاّ أنها تتقن الطبخ وقد تعلمته منها، مبينةً أنها تشارك في الفعاليات التي تقيمها “جمعية كفيف”، والتي كان آخرها فعالية “نراكم في قلوبنا” في غرناطة، مشيرةً إلى أنه بالنسبة للتسوق تذهب مع والدتها التي ترشح لها بعض القطع فتلمسها لاختيار ما يعجبها، ذاكرةً أنها تُفضل الفساتين، موضحةً أنه بالنسبة للعصا فإن الأولاد يستفيدون منها أكثر؛ لأنهم يكثرون الخروج، أمّا فهي فتُفضل الاعتماد على أهلها، لافتةً إلى أن “المكياج” فيمكنها وضع الخفيف بنفسها، أما في المناسبات الكبيرة فتساعدها شقيقتها. وحول أبرز المشاكل التي تواجهها قالت: “أختي الكفيفة أيضاً متزوجة وعلى وشك ولادة، وعندما تعبت رفض أحد المستشفيات مرافقة والدتي لها، مضيفةً أنه ليس لهن خيار سوى التنويم في مستشفى خاص، مشيرةً إلى أنه بالنسبة لممارسة الرياضة فأحد الأندية رفض انضمامها إلاّ بوجود مرافقة رغم كثرة عدد المدربات، وجمعية كفيف فتحت لهن صالة رياضية في مقرها ثم أغلقتها.
كأني مُبصرة
وسألنا “نجاة الجنيني” -معلمة وأم لطفلين- عن السر الذي يجعل من الصعب اكتشاف كونها كفيفة فقالت: “الفضل في ذلك لله ثم لأهلي الذين عززوا ثقتي بنفسي ثم معلماتي بمعهد النور وأيضاً الجامعة، فالأهل هم الأساس الأول لبناء شخصية الطفل الكفيف، الذي يجب معاملته بدون شد أو إرخاء، فخير الأمور الوسط، عائلتي منذ الصغر لم تحسسني باختلافي، موضوع كوني كفيفة لم يكن يناقش إلاّ على المستوى الطبي، أما نفسياً واجتماعياً فكانوا يعاملوني وكأني مبصرة، بل وحتى في الجامعة كزميلات ودكتورات وإداريات لم أحس أبداً بشيء مختلف، وزوجي ولله الحمد مبصر ومتفهم لوضعي، وأبنائي مستوعبون للأمر”.
وحول التنقل أوضحت أن لديها بقايا بصر، فالأماكن التي تزورها للمرة الثانية سواء أسواق أو دوائر حكومية لا تحتاج فيها إلى مرافق، مبينةً أنها انتظرت ثمان سنوات بلا وظيفة، وهي الآن معلمة تربية خاصة في الخرج، وأيضاً تعمل دورات حاسب آلي، موضحةً أنهن كن يُعانين من نقص الكتب، لكن تجاوب المسؤولين أنهى جزءاً من الموضوع على اعتبار أنه لم توفر بشكل كامل.
يد العون
وحول الأنشطة التي تمارسها أشارت “نجاة الجنيني” إلى أنها تمارس الرياضة، حيث جربت الاشتراك بنادٍ كان أكثر من رائع، لكنها تُفضل ممارستها بالمنزل، وبالنسبة للقراءة أفضل التصفح الالكتروني، حيث تعتمد على الانترنت في التحضير لدورات الحاسب التي تُقيمها، مضيفةً: “أقول للمجتمع، الكفيف شخص متطلع للحياة، يحتاج مد يد العون لإبراز مواهبه وقدراته، هناك وعي اجتماعي لكن نتطلع إلى المزيد”، متمنيةً من المسؤولين أن لا يغفلوا حق المعوقين بشكل عام، وأن يعطى الأولوية لهم بالنسبة للطلبات والأوراق الرسمية، وأن تسهل لهم كذلك الإجراءات، فهم يحتاجون تميزاً في الخدمات، متطلعةً إلى الالتفات لمشكلة البطالة، ففتيات كفيفات تخرجن بنسب عالية وبمرتبة شرف، لكن لم يحالفهن الحظ الوظيفي ولم تساعدهن القرارات.
تطوير الذات
وتحدثت “نورة العبداللطيف” -مشرفة القسم النسائي في جمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض (كفيف)- قائلةً: كجهة تهتم بالكفيف نؤدي دور الوسيط في حل مشكلاته عندما يلجأ إلينا، وإن احتاج الأمر إلى تقديم شفاعات باسم المستفيد من الجمعية موجهة للجهات المعنية لتسهيل ما استصعب من أموره، وفي غالب تجاربنا نجد تجاوباً جيداً من هذه الجهات مشكورين، مضيفةً أنهم يوفرون الأجهزة المختلفة الخاصة بالكفيفين ما أمكن عن طريق البحث عن داعمين لتمويلنا بها، ليحصل عليها العضو المستفيد عند اجتيازه دورة تدريبية على كيفية استخدامها، مؤكدةً على أنهم سيقدمون هذا العام إن شاء الله دورات في الحاسب الآلي بشكل مكثف تصل إلى ستة أشهر للكفيفين وضعاف البصر، إضافةً إلى دورات في التوجه والحركة والتنقل الآمن والأعمال اليدوية ودورات موسعة في الطهي، إلى جانب دورات في تطوير الذات والعناية الشخصية والاستقلالية وفنون الإتيكيت.
وعن إغلاق النادي الرياضي بالجمعية، أوضحت أن النادي لا يعدو كونه عدة أجهزة رياضية وفرتها الجمعية لتشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة، وأغلق نظراً لضيق المساحات في المقر، ونتيجة لبحث الإدارة في أولويات استغلال المساحات تقرر إيقافه، خاصةً مع تزايد عدد العضوات والموظفات، وازدياد البرامج والدورات تبعاً لذلك، مضيفةً: “نحن حالياً في طور البحث عن توفير بديل أفضل لهن خارج الجمعية، كشراكات استراتيجية مع مراكز رياضية ونوادٍ صحية أخرى إن شاء الله”،
دعم ومساندة
وحول نوع التعاون الذي يمكن أن تقدمه المؤسسات والشركات الخاصة للكفيف أكدت “نورة العبداللطيف” على أن الجمعية تتطلع إلى مد يد العون لها برعاية البرامج والفعاليات والدورات التي تقيمها وأيضاً دعم الجمعية مادياً وإعلامياً ومساندتهم في ما يقدمونه، وتمكين أعضائها من الإفادة من الخدمات التي تقدمها المؤسسة أو الشركة بدون مقابل أو بتخفيض كدعم خاص، متمنيةً المساهمة في تطوير موظفي وأعضاء الجمعية بدورات وورش عمل لتسير الجمعية معهم نحو الاحترافية والإبداع، إضافةً إلى توظيف إخواننا وأخواتنا الكفيفين والكفيفات في مؤسساتهم وشركاتهم في مناصب تليق بتعليمهم وشهاداتهم، وبرواتب تناسب حالاتهم، مع الحرص على تطويرهم أسوةً بغيرهم، شاكرةً كل ما قدموه، وتأمل فيما سيقدمونه دعماً للإنسانية ووفاء للمجتمع.
وأضافت: ندعو كافة شرائح المجتمع أن يأخذوا على عاتقهم العمل على تسهيل حاجيات المكفوفين وإخوتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى ما استطاعوا، وأن يشاركوا في حضور فعالياتهم وأنشطتهم، وكذلك التواصل معهم لكسر الحواجز والتعريف بحالتهم، وإشراكاً لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع ليمارسوا أنشطتهم بشكل طبيعي.