بتال القوس
رغم أنها مباراة واحدة فقط، قد يكون بنهايته نهاية لمغامرة أبناء الزلفي اللذيذة، إلا أن هؤلاء الرجال بحماستهم غير المسبوقة لمدينتهم نجحوا في لفت الأنظار لناديهم الصغير ومدينتهم الكبيرة بطاقات شبابها وشيوخها.
أجاد الزلفاويون تماماً استثمار الحدث في تسليط الضوء على الجانب الرياضي من المدينة الحالمة الصغيرة التي تشغل الجزء الشمالي الشرقي من حضن نجد الكبير، وما فعله أبناء المدينة في ثلاثة أسابيع فقط، كان رسالة واضحة لكل المدن الأخرى وأهاليها وأنديتها وشبابها وشيبها، رسالة مفادها أن الرياضة يمكن أن تفعل الكثير مما لا تصل إليه المناشط الأخرى.
.. وعلى الرغم من يقين الغالبية العظمى من الزلفاويين، أن مواجهة الزعيم المهاب أشبه “بناطح صخرة يوما ليوهنها”، إلا أن هذا لم يفت عزيمتهم نحو استثمار الحدث وتقديم مدينتهم للجميع بما لم يسبقهم إليه أحد. ثلاثة أسابيع فقط، نجح فيها أبناء الزلفي في إضافة ضعفين لسعة مقاعد المتفرجين، وتوفير أجواء احتفال وترقب، وتحفيز كل الأهالي نحو المشاركة في الحدث المرتقب، واجتذبوا كل الإعلام والجماهير نحو الجزء الشمالي الغربي من العاصمة الرياض، كيف حدث هذا؟ لذلك أسباب عدة.
.. أعتقد أنها تتلخص في الآتي: الزلفي خرَّجت الكثير من الإعلاميين الرياضيين تحديدا، وحين عبر فريق مدينتهم إلى الدور الثاني نبضت عروق الحنين فيهم، فهبوا لمساندة معقل الآباء والأجداد. الزلفي أيضا أرض بكر للكرة وصخبها، لم تعرف قبل اليوم السبت حدثا رياضيا كمواجهة الكبير الهلال، ولذلك كان التحفز والترقب على قدر الحدث، ثالث الأمور هو أن الزلفي النادي يحمل اسم المدينة الزلفي وفي هذا رباط قوي جدا تسقط أمامه شعارات كثيرة وانتماءات طارئة، وهذا في ظني مربط الفرس، ومحل النقاش القادم، أما كيف؟ فإليكم التالي:
تضم بلادنا 153 ناديا رياضيا، تتوزع بين 46 مدينة، تنتمي إلى 13 منطقة إدارية، وآخر ناد تم تأسيسه في البلاد كان في عام 1986. بحسبة بسيطة لدينا ثلاثة أندية ونصف ناد في كل مدينة. إقليم الأحساء الذي يسكنه أقل من مليون مواطن يضم وحده عشرة أندية رياضية، أربعة منها تلعب في الدرجة الممتازة في ألعاب مختلفة، بينما البقية تراوح بين الأولى والثانية والثالثة. في منطقة جازان خمسة أندية رياضية، تملك لعبة واحدة فقط في الدرجة الأولى، أمام عدد سكان لا يتجاوز مليون و300 ألف نسمة، 80 في المائة منهم مواطنون.
من بين الأندية الـ 153، لدينا أقل من 17 ناديا فقط تحمل أسماء المدن نفسها التي تقع فيها، وتتوزع بقية الأسماء بين مواقع جغرافية تاريخية في هذه المدن، وأسماء أخرى لا أصل تاريخي لها ولا تعبر عن انتماء واضح للمنطقة ذاتها.
بين هذا الكم الكبير من الأندية، تراوح فرقها الرياضية بين الموت السريري والفشل المتكرر، والغياب الدائم عن المشهد الرياضي، وفوق ذلك تحمل ميزانيات رعاية الشباب تكاليف لا عائد منها أبدا، ما يجعلها في حياة أشبه بالموت. ماذا نفعل؟ هل نقف متفرجين ننتظر خلع الأجهزة الإكلينيكية عنها قبل قبرها؟
تجربة الزلفي النادي، الذي كان يعرف بنادي مرخ إلى قبل أعوام قليلة، تدعو مؤسسة الرياضة في البلاد إلى إعادة تصنيف الأندية ودمجها وتقويتها، ففي الدمج قوة للجميع من شباب المناطق ورجال أعمالها وتوحيد للصفوف، وتعزيز للانتماء وتحقيق لأهداف إنشاء الأندية الرياضية، وتقنين للأموال المهدرة، فهل نحن فاعلون؟