يواجه الناس في حياتهم اليومية نوعيات متعددة من الشخصيات التي تتطلب مهارات خاصة في التعامل معها تختلف من شخصية لأخرى. فهناك الشخصية الإيجابية والقيادية والعنيدة والمعقدة والمتعالية والهادئة والهجومية. وليس هناك بالطبع طريقة واحدة أو وصفة محددة للتعامل مع الجميع؛ فمن ينفع معه اللين لن يفيد أن تواجهه بالقوة، ومن يمكن أن تقنعه بالحجة فهو ليس بحاجة إلى أسلوب آخر، وكذلك الأمر للبعض الذي يكفيه السكوت حتى يفهم الرسالة التي تنوي إيصالها، والآخر الذي يكفيه الإنصات لما يقال حتى يهدأ.
كل هذه الأساليب في التعامل يمكن بالطبع اكتسابها من الاختلاط بالناس، حيث يزداد الذكاء الاجتماعي للشخص في مقتبل عمره كلما ازداد اختلاطه بالناس ومواجهته لمواقف اجتماعية مختلفة. لكن القراءة تستطيع اختصار ذلك الطريق، وربما استطاعت إنضاج القارئ في مدة أقصر؛ حين توفر عليه المرور بنفس التجارب لتعطيه خلاصتها.
تساعد الروايات في إعطاء نماذج لمختلف الشخصيات وردود أفعالها، وطرق التعامل معها، كما قد تساعد في فهم مفاتيح كل شخصية. فحينما يندمج القارئ في قراءة رواية ويعيش أحداثها فإنه يتعلم- فيما يتعلم- أساليب التعامل مع مختلف المواقف الاجتماعية وكأنه يعيشها، وهو بذلك يختصر على نفسه الوقت ويتعلمها بدلًا من أن يعيشها بنفسه، ومن ضمن ذلك الخسائر التي قد يتكبدها.
كما أن التعاطف الذي يمكن أن تخلقه بعض الروايات في قارئيها ينعكس بالضرورة على أرض الواقع، مخلّفًا نضجًا في التعامل ونجاحًا في العلاقة مع الناس بتزايد طردي مع القراءة، خاصة مع جودة اختيار نوعيات الكتب والروايات، حسب ما يحتاج إليه كل شخص وما يشعر به من نقص في جوانب شخصيته.
وتتلاقح هذه المعارف والرؤى المكتسبة من القراءة مع التجارب الحياتية لتنتج شخصية ناجحة ومتقدمة، مظهرة نتائجها بشكل ما في أحد جوانب الحياة الاجتماعية أو الأسرية أو الاقتصادية حتى إن لم يشعر القارئ بذلك، كما لا يشعر بما يقوم به الغذاء من بناء للجسم وترميم لنواحي النقص والخلل فيه.
@yousefalhasan