هل ستكون «إدلب» الـهدف القادم للمطامع الاستعمارية التركية فى سوريا؟ السؤال يتردد بقوة فى الوقت الراهن، خاصة بعد قيام الجيش التركى باستطلاع مناطق مواجهة محتملة لقوات النظام السورى فى إدلب وحماة، حيث بدأ وفد استطلاع تابع للجيش التركى بزيارة لعدة مناطق فى ريفى إدلب وحماة الشمالى الجمعة الماضى، وذلك بعد يومين من قمة جمعت رؤساء الدول «الضامنة» (إيران وتركيا وروسيا) فى العاصمة التركية، وخرجت بالتأكيد على المحافظة على اتفاقية مناطق «خفض التوتر».
وكشفت مصادر ميدانية عن أن الوفد مؤلف من خبراء عسكريين أتراك، وقد توجه من مدينة خان شيخون بريف إدلب إلى قرية الصياد وتلّتها جنوب غرب خان شيخون، ثم توجه إلى كفرزيتا ولحايا ومورك فى ريف حماة الشمالى وأنه وصل إلى نقطة «العبود» جنوب مدينة مورك (إحدى النقاط المتاخمة لمناطق تواجد القوات السورية حيث تبعد عنها ما يقارب ١كم فقط عن نقاط تمركز قوات الجيش، كما استطلع كلًا من (كتيبة الدبابات بمحيط مدينة مورك وحاجز السيرياتيل وحاجز لحايا الغربية ولطمين) كما تجول الوفد التركى فى المنطقة برفقة قادة وعناصر من فصيل «فيلق الشام» ومن المتوقع أن يزور مناطق أخرى فى ريف إدلب ومنطقة جسر الشغور.
وتأتى زيارة الوفد العسكرى الجديد، بعد أيام من زيارة مماثلة إلى ريف حماة الشمالى (لأول مرة) بهدف معاينة المنطقة لإمكانية وضع نقاط مراقبة اتفاق «خفض التصعيد» لاحقًا، حيث استطلع الوفد كلًا من مدن (كفرزيتا واللطامنة ومورك ومناطق المصاصنة وتل الفاس والصياد) شمال حماة وتأتى الزيارة بعد إعلان الجيش التركى يوم الثلاثاء الماضى عن إنشاء نقطة مراقبة جديدة فى محافظة إدلب، فى إطار اتفاق مناطق «خفض التصعيد»، المنبثق عن «مؤتمر أستانا ٦» لضمان وقف إطلاق النار فى المنطقة وقالت رئاسة الأركان التركية فى بيان وقتها، إن نقطة المراقبة الجديدة هى الثامنة التى يقيمها الجيش التركى فى المحافظة المشمولة بالاتفاق.
يشار إلى أن تركيا قد طالبت بزيادة عدد نقاط المراقبة من ٨ إلى ١٤، وذلك بعد إعلان الرئيس التركى فى وقت سابق عن أن عملية «غصن الزيتون» التى بدأها جيش بلاده فى عفرين ستتوسع إلى إدلب ومنبج، وهو ما يمكن أن يفسر على أنه بداية لصفقة جديدة يتم الإعداد لها بين أنقرة وطهران بشأن سوريا، تتضمن مقايضة للوجود العسكرى التركى فى إدلب مقابل السيطرة الإيرانية على جنوب دمشق والتوسع بمنطقة السيدة زينب.
يذكر أن تركيا تختلف عن بقية الأطراف الإقليمية والدولية المتورطة فى الأزمة السورية بمسألة حيوية للغاية، حيث تعتبر أن أطماعها فى الشمال السورى هى أطماع تاريخية وموثقة وتعتبر من الثوابت الاستراتيجية للقيادات التركية المتعاقبة، القومى منها أو العَلمانى أو الإسلامى ليس فقط أنطاكيا والإسكندرون التى سُلبت فى ثلاثينيات القرن الماضى بالتواطؤ مع الاستعمار الفرنسي، بل أيضًا مناطق تمتد من حلب حتى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٨، نجحت أنقرة فى استغلال قلق فرنسا من احتمال تحالف تركيا مع ألمانيا النازية، فكانت نتيجة الصفقة ضياع «اللواء» ولم تكتفِ القيادات التركية بذلك، بل سعت أثناء الحرب إلى الاستفادة من حاجة النازيين إلى طرقات آمنة للوصول إلى مناطق الانتداب الفرنسى فى سوريا، خصوصًا عندما سيطرت قوات «فيشى» الفرنسية الموالية لألمانيا على الكيانين اللبنانى والسورى وتكشف الوثائق الألمانية الرسمية سنة ١٩٤١ عن محاولات تركيا الدؤوبة لإقامة موطئ قدم لها فى الشمال السورى بالتفاهم مع النازيين لتؤكد الشواهد على أن إدلب ستكون بلا شك الـ«هدف» القادم للمطامع الاستعمارية التركية فى سوريا، خاصة بعد أن تحولت إلى مركز رئيسيا للمعارضة السورية المسلحة والجماعات الإرهابية، وبعد سيطرة الجيش السورى على مدينة حلب الشمالية والغوطة، وهو الأمر الذى ربما يمهد لصفقة تركية إيرانية.