«لا يزال هذا القرار هو الإطار القانونى الدولى الملزم، لحل النزاع حول البرنامج النووى الإيراني».. كان هذا هو أول رد فعل، لكلٍ من: رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فى بيانهم الصادر للرد على ما أعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أمس الأول، بخصوص خروج بلاده من الاتفاق النووى الإيراني.
يُعبر مضمون البيان المذكور آنفًا عن حالة الارتباك فى المشهد السياسى الدولي، بعد إعلان ترامب عن الانسحاب، وفى التالى سيتم عمل تحليل للدلالات والرسائل، التى قدمها فى خطابه إلى القيادة الإيرانية والفواعل الإقليمية والدولية.
وصف الرئيس الأمريكى الاتفاق النووي بمصطلحات «كالاتفاق الهدام» و«الصفقة الإيرانية المعيبة» بما يوضح وجهة نظره فى الاتفاق الذى تم توقيعه مع إيران عام ٢٠١٥ فى عهد الإدارة الأمريكية السابقة عليه بقيادة باراك أوباما، ويمكن من خلال خطاب ترامب استنتاج مجموعة من الأسباب التى دفعته لإعلان انسحاب بلاده من الصفقة، وتتمثل فى رؤيته بأن الاتفاق لم يؤد لحماية الولايات المتحدة من التهديدات التى يُحدثها البرنامج النووى لإيران، بل على العكس سمح لها بمواصلة تخصيب اليورانيوم، فضلًا عن استغلالها رفع العقوبات وأنفقت مليارات الدولارات من أجل تمويل الإرهاب فى الشرق الأوسط وأماكن أخرى كثيرة حول العالم.
واعتبر ترامب أن النتيجة المتوقعة للاستمرار فى الصفقة هى تقوية النفوذ الإيراني، بما سيؤدى فى نهاية الأمر إلى سباق تسلح نووى فى الشرق الأوسط، مع الأخذ فى الاعتبار أن آليات التفتيش لا تسمح بكشف التلاعب ومعاقبته بل لا يوجد بالأساس حق بالتفتيش على المواقع المهمة ومنها العسكرية.
شمل الخطاب عددًا من الجوانب، والتى تحمل رسائلَ مهمة لإيران وحلفائها، وتمثلت فى :
أولًا حرص ترامب على تكرار فكرة أن الاتفاق لم يؤد إلى وقف طموحات إيران النووية، ولم يمنعها من تطوير الأسلحة ودعم الإرهاب.
ثانيًا أن اتخاذه القرار تم بعد تشاورات مع مختلف القوى الدولية، مثل بريطانيا، وكذلك القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط، ليُعطى مظهرًا بأن هذا القرار لم يُصدر بشكل فجائي، وأن هناك جولات من النقاش، تمت حول هذا الأمر، على سبيل المثال ناقشت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، موضوع الاتفاق مع الرئيس «ترامب»، فى أكثر من ١٢ مكالمة هاتفية.
ثالثًا تأكيده على التزام واشنطن بإعادة العقوبات على النظام الإيراني، وبتطبيق أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى معاقبة أى دولة تتعاون مع إيران، فى الحصول على السلاح النووي، وقد استخدم لهجة حادة فى تعبيره عن هذا الأمر، عندما وضح بأنه «إذ ما زال النظام يصبو للسلاح النووى ستكون له مشاكل أكبر مما صادف فى تاريخه».
ورابعًا توجيهه رسالة إلى الشعب الإيراني، الذى وصفه بأنه يرث بلد وثقافة عريقة، ويعيش تحت ديكتاتورية فظيعة منذ ٤٠ عامًا، ويعيش محرومًا من السلام فى محيطه الاقليمى والعالمي، ومن ثم يستحق حكومة تحترم آماله، فى إشارة منه إلى تقديره إلى الشعب الإيراني، وأن خلافه بالأساس مع حكومته ذات الطبيعة العدائية، وكأنه يوضح أنها المسئولة عما آلت إليه أوضاع البلاد داخليًا وخارجيًا.
وأخيرًا؛ اختتم الرئيس الأمريكى خطابه مقدمًا رسالة للقادة الإيرانيين، أبدى فيها استعداده بعقد اتفاق جديد مستدام، إذا أرادوا ذلك، يترتب عليه الكثير من النتائج الإيجابية لإيران والشرق الأوسط كله، بما يعنى أنه يفتح الباب أمام إيران، لإعادة التفكير فى موقفها الرافض لأى صفقة جديدة.