يبقى التبرع بالدم واجبا وطنيا وعملا إنسانيا نبيلا من الممكن أن يساهم في إنقاذ حياة آلاف المرضى ممن هم في حاجة للتبرع بالدم، خاصة ضحايا الحوادث المرورية والعمليات الجراحية الكبرى المصحوبة بالنزيف الشديد، إلى جانب مرضى نقص الدم أو “الأنيميا”، وكذلك أمراض سرطان الدم وغيرها من الأورام الأخرى، كما أن هذا العمل يظهر مدى الترابط والتلاحم الذي ينبغي أن يكون عليه أفراد المجتمع المسلم، كما قال الله -سبحانه وتعالى- :”ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، وبالتالي فإنه ليس هناك عطاء يماثل التبرع بالدم لمن يحتاجه من المرضى، فكم من الرسائل النصية التي نتلقاها بين الفينة والأخرى عبر أجهزتنا المحمولة تشعرنا عن حاجة أحدهم لفصيلة دم غير متوفرة ببنوك الدم في بعض المستشفيات الحكومية والخاصة.
وكانت “وزارة الصحة” قد أكدت على أنه لا يوجد استيراد للدم منذ العام (1405ه)، مشيرة إلى أن كميات الدم تُوفّر عبر التبرع التطوعي الذي تبلغ نسبته (40%) أو التبرع التعويضي للمرضى من الأهل والأصدقاء وتبلغ نسبته (50%)، إلى جانب تبرع المواطنين عند طلب رخصة القيادة وذلك بنسبة (10%)، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة –أيدها الله- في سبيل حث المواطنين على التبرع بالدم، إلاّ أن الإقبال على التبرع بالدم لا يزال قليلا جداً أمام حاجة الملايين من المرضى له، وبالتالي فإن الحاجة تدعو إلى أن يكون التبرع بالدم ضمن الشروط اللازمة للقبول في الجامعات وعند التقدم بطلب للحصول على الوظائف الحكومية والقطاع الخاص.
معاناة المرضى
وقال “ماهر البدوي” -طالب بكلية الطب- :”لا نحتاج إلى الإلزام بالتبرع بالدم انما نحتاج إلى توعية المجتمع بأهمية التبرع بالدم”، مشدداً على أن لا يقتصر الأمر على المتقدمين للحصول على وظيفة أو حتى طلاب الجامعات، داعياً وحدات التبرع بالدم في المستشفيات إلى توعية أفراد المجتمع في هذا الشأن وبيان معاناة المرضى ممن قد لا يجدون من يتبرع لهم بسهولة، مشيراً إلى أهمية الدور الكبير الذي من الممكن أن تلعبه مدارس التعليم العام ووسائل الإعلام المختلفة.
كشف سريري
وأشارت “سارة نايف” إلى أن ديننا الإسلامي الحنيف حث على تقديم المساعدة لمن يحتاجها، مضيفة أنه لا بد أن يحرص أفراد المجتمع على التبرع بالدم لسد حاجة بنوك الدم فيما يتعلق بالنقص الحاصل في بعض فصائل الدم، موضحة أنها حريصة كل الحرص على التبرع بالدم، سواءً في وحدات الدم بالمستشفيات أو في وحدات الدم المتنقلة، مبينة أنه يوجد لدى البعض تخوف من التبرع بالدم عبر وحدات الدم المتنقلة؛ اعتقاداً منهم أن العاملين بها غير مؤهلين.
وأضافت أن العاملين في تلك الوحدات هم على درجة كبيرة من الكفاءة والتأهيل، مشيرة إلى أنها تبرعت بالدم عبر هذه الوحدات أكثر من مرة، مبينة أنها خضعت في البداية لكشف سريري اشتمل على قياس ضغط الدم لديها وعمل التحاليل اللازمة وتحليل معرفة فصيلة الدم، قبل أن يتم سحب الكمية المطلوبة من الدم، مؤكدة على أنه تم استخدام أدوات خاصة ومعقمة، وبالتالي فإنه لا خوف من عملية التبرع عبر هذه الوحدات.
مسؤولية اجتماعية
وبينت “طرفاء محمد” أنها تؤيد فكرة جعل التبرع بالدم أحد الشروط المطلوبة لمن يتقدمون بطلب للحصول على الوظائف الحكومية أو القبول في الجامعات طالما أن هناك قصورا في هذا الجانب من قبل العديد من أفراد المجتمع؛ لأن هناك آلاف المرضى في المستشفيات معرضون للموت بسبب حاجتهم للدم أثناء إجراء بعض العمليات الجراحية، مؤكدة على أنها حريصة هي وأفراد أسرتها على التبرع بالدم بين الحين والآخر على مدار العام، لافتة إلى أن ديننا الإسلامي الحنيف حث على التعاون بين المسلمين، إلى جانب أن ذلك هو جزء من المسؤولية الاجتماعية التي ينبغي الوفاء بها.
وأيدتها الرأي “أريج عبد الله”، مضيفة أن الفكرة رائعة وتحتاج للتطبيق بشكل إلزامي، موضحة أن البعض يعتقدون خطأً أن التبرع بالدم له جوانب سلبية على الصحة العامة للفرد، ويتحججون أن التبرع بالدم يسبب حالات إغماء أو هبوط في الدورة الدموية، بينما أثبتت العديد من الدراسات الطبية أن التبرع بالدم يساعد على تنشيط الدورة الدموية، إذ يتم تنشيط نخاع العظم لإنتاج خلايا دم جديدة بعد التبرع بالدم، إلى جانب المحافظة على صحة الفرد بشكل عام، وكذلك التقليل من احتمال الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين.
رار إلزامي
ولفتت “ندى المنصور” –ممرضة- إلى أن المتبرع بالدم لا بد أن يستشعر ما له من ثواب عظيم عند الله –عز وجل- في حال تبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة المرضى وغيرهم من المحتاجين للدم، مشيرة إلى أن التبرع بالدم يعد أحد أوجه التكاتف بين أفراد المجتمع، مبينة أن أكثر الأشخاص حاجة لتلقي الدم هم ضحايا الحوادث المرورية والعمليات الجراحية الكبرى المصحوبة بالنزيف الشديد، إلى جانب مرضى نقص الدم أو “الأنيميا”، وكذلك أمراض سرطان الدم وغيرها من الأورام الأخرى، مؤكدة على أن الإقبال على التبرع بالدم من قبل أفراد المجتمع ضئيل جداً، وبالتالي فإننا بحاجة إلى قرار إلزامي في هذا الجانب.
توعية أفراد المجتمع
وأكدت “د. فرجة القحطاني” -مديرة بنك الدم بمستشفى الملك خالد الجامعي- على أهمية التوعية والتوجيه وحث المواطن للتبرع بالدم، خاصة في المدارس والجامعات وعند استخراج رخصة القيادة وجواز السفر للقادرين على ذلك، مشيرة إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع البعض لعدم التبرع بالدم، ومن ذلك عدم كفاية التوعية وخوف البعض من دخول المستشفيات، إلى جانب أن هناك من يعتقدون أن التبرع بالدم يسبب الدوخة وغيرها من المشكلات الصحية الأخرى.
وأضافت أن هناك من يحجم عن التبرع بالدم لوجود خبرة سلبية سابقة أتته من صديق أو قريب، إلى جانب اعتقاد البعض أن أجسامهم لا تتحمل عملية التبرع بالدم، وكذلك الانشغال بالعمل أو عدم وجود الوقت الكافي للذهاب للتبرع بالدم أو عدم وجود مواقف كافية للسيارات في بعض المستشفيات؛ مما يصعب هذه المهمة، إضافة إلى عدم وجود حوافز للمتبرعين، والخوف من نتيجة التحاليل إذا كان هناك أي إصابة معدية من قبل، واعتقاد البعض أن فقر الدم علة مزمنة تمنع التبرع بالدم.
نشاط اجتماعي
وأوضحت “هيا المزيد” -رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية بمستشفى الملك خالد الجامعي- أنه كثيراً ما يرد الحديث عن المسؤولية الاجتماعية في الآونة الأخيرة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، وعندما نقرأ عن ذلك يتبادر للذهن أنه عنوان لنشاط اجتماعي مقدم من إحدى المؤسسات الخاصة أو الشركات أو البنوك للمساهمة في دفع عجلة التنمية المستدامة على المستوى الوطني، مشيرة إلى أنه لا بد من النظر إلى الركيزة الأساسية للتنمية المستدامة في جميع المجتمعات وهو الفرد.
ولفتت إلى أن الإنسان هو الوحدة الأولى واللبنة الأقوى لدعم برامج التنمية الوطنية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بوجود الإحساس القوي بالمسؤولية الاجتماعية التي من خلالها يثبت عضويته الإيجابية في هذا المجتمع الذي يعيش فيه، مضيفة أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- قال :”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، مشيرة إلى أن هذا المعنى العظيم الذي وجهنا له رسولنا الكريم يرسخ معنى المسؤولية الاجتماعية التي تبدأ من الفرد.
وأضافت أن خير دليل على شعوره بالآخرين هو تعبيره عن المسؤولية الاجتماعية بتبرعه بدمه في سبيل إنقاذ حياة غيره، وقالت :”إن قطرة الدم هذه قد تكون سبباً في إنقاذ حياة إنسان ما في مكان آخر يرقد على السرير الأبيض، ومن هنا لا بد للجهات المعنية أن تنظر في إيجاد سبل لدعم هذه الفكرة لدى شباب هذا الجيل عبر إيجاد سجل اجتماعي يرصد تطوع الشباب في المراكز الاجتماعية المختلفة؛ لتخفيف آلام الآخرين ودعمهم أيا كانت حالاتهم وأعمارهم”. وشددت على ضرورة أن يحتوي هذا السجل على عدد مرات التبرع بالدم عبر شهادة مكتوبة يحصل عليها الفرد في كل مرة يتبرع فيها بدمه، موضحة أن هذا الأمر مطبق في العديد من دول العالم، مبينة أن ذلك يجعل الفرد ينظر إلى هذا السجل بالأهمية نفسها بالنسبة لسجل الدرجات في المدارس والجامعات أو تقييم الأداء الوظيفي للموظف، لافتة إلى أن الفرد المعطاء هو فرد يعلوه الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية وسيقدم المزيد لأفراد مجتمعة في المستقبل في أي وظيفة يشغلها.
وأكدت على أن هذه النظرة ستدعم شغل وقت الفراغ لدى الشباب عبر قنوات إيجابية تعودهم على العطاء، مضيفة أن هذا هو التعبير الحقيقي لحب الوطن، موضحة أن ذلك يؤكد على أننا نجحنا في تقديم خطوة إيجابية في سبيل دعم التنمية الوطنية التي تبدأ بالفرد، داعية إلى تفعيل المسؤولية الاجتماعية للفرد، مشيرة إلى أنها ستبدأ على مستوى الفرد أولاً ومن ثم المؤسسات والشركات المختلفة، لافتة إلى أن المجتمع سيقطف ثمار هذه الدعوة.
وأشارت إلى أن على مؤسسات المجتمع أن تفتح أبواب التطوع وأن تمنح الشباب مهام خاصة في ساعات تطوع مرصودة وأنشطه محددة يمكن للمتطوعين الوفاء بها في تلك المؤسسات، موضحة أن لدى الشباب طاقه كبيرة، فإما أن نستفيد منها أو نهدرها، لافتة إلى أننا نلاحظ كثرة التجمعات الشبابية التي تسعى لتقديم خدماتها للفئات المحتاجة، ونحن أولاً وأخيراً مجتمع مسلم نسعد بالعطاء.