يبدو أن الأسوأ في العراق لم يقع بعد، إذ تتكشف يوما بعد يوم أبعاد مؤامرة إيران هناك، التي تقوم على تكديس السلاح في أيدي الميليشيات الموالية لها، لضمان استمرار نفوذها هناك في الحاضر والمستقبل.
ففي 6 أغسطس، وقع انفجار بمخزن أسلحة تابع لميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، قرب محافظة كربلاء في جنوب غربي العاصمة العراقية بغداد.
وقالت وسائل الإعلام العراقية إن حريقا اندلع داخل مخزن للأعتدة تابع لإحدى فصائل الحشد الشعبي على طريق (بغداد – كربلاء)، شمالي كربلاء، وتبعه انفجار داخل المخزن، إلا أنها لم تكشف تفاصيل أخرى.
واللافت أن الانفجار السابق ليس الأول من نوعه، فقد شهدت العاصمة العراقية ومدن أخرى حوادث مشابهة، من أكثرها دموية حادث انفجار مخزن للسلاح تابع لأحد فصائل الحشد الشعبي في منطقة العبيدي شرقي بغداد في سبتمبر 2016، والذي أوقع حينها خسائر مادية وبشرية كبيرة، وخلف حالة من الهلع في منطقة امتدت لعدة كيلومترات مربعة حول موقع الحادث بفعل تطاير القذائف والصواريخ عشوائيا.
ونقلت جريدة “العرب” اللندنية في 8 يونيو الماضي عن مصادر أمنية عراقية، قولها:”إن اختيار الميليشيات لأحياء سكنية داخل المدن بما فيها العاصمة بغداد نفسها، يعود إلى حرص تلك الميليشيات على بقاء أسلحتها في متناول يدها لخوض الصراع ضد خصومها ومنافسيها في كل لحظة”.
ويتردد أن ما لا يقل عن عشرة مخازن سلاح كبيرة لا تزال موجودة داخل الأحياء السكنية بالعاصمة بغداد، وهي تابعة لفصائل شيعية وتحتوي على كميات هائلة من العتاد والأسلحة، كما أنّ مخازن كثيرة أخرى للسلاح أقل حجما منتشرة في مستودعات صغيرة وفي أقبية المنازل والعمارات.
وفي 23 يونيو الماضي، خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتصريحات مفاجئة كشف فيها صراحة عن استغلال “جماعات” الحرب ضد “داعش” لتخزين السلاح وتهديد الدولة.
وقال العبادي خلال محاضرة في جامعة الدفاع للدراسات العسكرية في المنطقة الخضراء في بغداد، إن “هناك جماعات استغلت الحرب على داعش لتخزين السلاح من أجل تهديد الدولة، أرادوا أن يكونوا أقوى منها ويبتزوا المواطنين، وهذا الأمر لن نسمح به”.
وأضاف العبادي “هناك من المواطنين من امتلك سلاحا بهدف الدفاع عن نفسه في وقت مضى، ويختلفون عن تلك الجماعات، لن يكون هناك أي سلاح خارج إطار الدولة”.
وجاءت تصريحات العبادي في أعقاب سلسلة من الاغتيالات والتصفيات المتبادلة بين الكتل السياسية، وتهديدات متقابلة بين المتسابقين على الفوز بتشكيل الحكومة الجديدة.
ففي 21 مايو الماضي، لقي علي مهدي، القيادي في التيار الصدري، مصرعه بعد تعرضه لهجوم مسلح أمام منزله في بغداد، وربط البعض على الفور بين اغتيال مهدي، ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي فاز فيها التيار الصدري، ولم تكد تمر ساعات على الحادث السابق، إلا وتم الإعلان عن اغتيال القيادي في ميليشيات بدر والحشد الشعبي، بشار العميدي، الملقب بأبي تراب، رميا بالرصاص أمام منزله في العاصمة العراقية.
وفي 5 يونيو، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحين من سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وآخرين من منظمة بدر، في مدينة خانقين بمحافظة ديالي في شرق العراق، ما أدى إلى إصابة العديد من الطرفين بجروح.
وعزا مصدر أمني حينها سبب الاشتباكات إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، واضطراب العلاقات بين الجهات السياسية، التي تنتمي اليها تلك القوات.
وبالنظر إلى إصرار إيران على زعزعة استقرار الدول العربية، وتوظيف أدوات محلية لتنفيذ مخططاتها، مثل الحوثيين فى اليمن، وحسن نصرالله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، فإن كوارث لا حصر لها تنتظر العراق، في حال لم يتم تحجيم الميليشيات الموالية لإيران.
فالميليشيات الشيعية المسلحة، هي اليد الطولي لإيران، لتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة، وشن حروب بالوكالة، رغم ادعائها، دعم تلك الميليشيات بهدف محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، ومنعه من الوصول إلى أراضيها.
ومن أبرز هذه الميليشيات: منظمة بدر، ويقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف، وانضوت أكثرية الشباب العراقي الشيعي تحت رايتها بعد إعلان السيستاني لفتواه، وانفصلت المنظمة، بقيادة أمينها العام الحالي هادي العامري، النائب الحالي والوزير السابق، أوائل عام ٢٠١٢ عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة عمار الحكيم، بسبب رغبة العامري في التحالف الانتخابي مع نوري المالكي.
وتعتبر منظمة بدر أقوى ميليشيات الحشد الشعبي، وعبرها يمر السلاح الإيراني، وهي التي توزعه على ميليشيات الحشد الأخرى، وهناك علاقة وثيقة بين العامرى وبين مرشد الجمهورية الإيرانية على خامنئي، وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني.
وهناك أيضا، كتائب حزب الله العراق، وتعمل تحت إشراف إيراني مباشر وظهرت سنة ٢٠٠٧، وعدد أفرادها كبير، ومنظمون بشكل جيد، بالإضافة إلى عصائب أهل الحق، التي ظهرت أيضًا سنة ٢٠٠٧ من رحم جيش المهدي بقيادة قيس الخزعلي، بعد قرار زعيم جيش المهدي مقتدى الصدر تجميد نشاطه، فرفض الخزعلي الانصياع لأمره، ثم استقلت العصائب بشكل كامل سنة ٢٠٠٨.
ويقدر عدد عناصر العصائب بعشرات الآلاف، وهم ثانى أكبر ميليشيا شيعية ويمتلكون خبرة عسكرية اكتسبوها من محاربتهم الأمريكيين، ولديهم مصانع تنتج صواريخ من طراز “الأشتر”، ولاء العصائب للمرشد الإيراني على خامنئي، وتربطهم علاقة وثيقة جدا بفيلق القدس.
وهناك كذلك ميليشيات أخرى صغيرة من أبرزها: الوعد الصادق، لواء أسد الله الغالب، كتائب أنصار الحجة، ولواء القارعة، وسرايا الزهراء، وسرايا أنصار العقيدة، كتائب الغضب، وحركة الأبدال، ولواء المنتظر، وكتائب درع الشيعة، وجيش المختار، وحزب الله الثائرون.
وبعد الغزو الأمريكى للعراق، وما خلفه من فوضى عارمة هناك، استغلت إيران الفرصة وأنشأت هذا العدد الكبير من الميليشيات الشيعية المسلحة، بحجة محاربة تنظيم داعش، وتشير التقديرات إلى أن عدد هذه الميليشيات يتراوح بين ٥٣ و٦٧، وتضم أكثر من مائة ألف مقاتل.
ويبدو أن وجود أكبر عدد ممكن من الميليشيات، يعود إلى رغبة إيران في عدم الاعتماد على فصيل بعينه، لضمان تنفيذ أجندتها داخل العراق وخارجه من ناحية، وتوزيعها في مناطق كثيرة، من ناحية أخرى.