من المؤكد أن البعض ممن كان -على الأقل- في ريعان شبابه خلال السنوات التي سبقت عام 1404هـ يتذكر حال سوق تداول (شهادات) الأسهم قبل ذلك العام، حينما كان السوق يعمل عبر وسطاء، يتم من خلالهم شراء وبيع تلك (الشهادات)، في ذلك العام عهد إلى مؤسسة النقد -آنذاك- مهمة التنظيم اليومي للسوق، وجرى على الفور قصر الوساطة في تداول الأسهم على البنوك، إلى أن طور النظام الآلي لمعلومات الأسهم وتشغيله عام 1411هـ، ومن ثم تبعه نظام تداول الجاري، الذي دشن في عام 1422هـ، فأتاح لمن يمتلك محفظة استثمار في الأسهم بالسوق أن ينجز بيسر عملية الشراء والبيع عبر جهازه المحمول من داخل المملكة أو خارجها.

حينما نتأمل ملامح هذا المشهد لسوق الأسهم الذي جرى تطويره خلال سبع سنوات فقط، وانتقاله من سوق غير منظم، بل وعبر وسطاء يعملون بشكل غير رسمي، إلى سوق مالية رقمية، تعد الأكبر من بين الأسواق المالية في المنطقة، يأتي التساؤل عن السوق العقارية الأقدم من حيث النشأة والأكثر استقطاباً لاستثمارات المواطنين -أكثر من 60 % من مدخراتهم- ومبرر بقائها -تقريباً- على الحال ذاته إلى اليوم ..؟!

لا أعتقد أن من الحكمة إهدار الوقت في انتظار الإجابة على هذا التساؤل أو البحث عنها، أو حتى الاستماع لمبررات من الصعوبة القناعة بوجاهتها، وإنما المفيد أن نوسع من مدى أفقنا لكي نطلع على ما وصلت إليه الأسواق العقارية المزدهرة حول العالم، التي بدأنا نلمس بها ظهور معدلات تطور سريع، خاصة توظيف الابتكارات التقنية التي باتت تمهد الطريق للتطور الذي طال انتظاره للسوق العقاري، وأحد أبرز أوجهه تطبيق تقنية البلوك تشين (Blockchain) إحدى أهم التقنيات الأكثر أماناً من بين الشبكات الإلكترونية في العالم، والمتميزة بالشفافية والموثوقية، والتي تسمح بتبادل القيمة وإتمام المعاملات رقمياً، لأي نوع من التحويلات بدءاً من تحويل الأموال إلى نقل الملكيات من دون الحاجة إلى طرف ثالث وسيط، الأمر الذي يتيح توفير الوقت والجهد والمال والتقليل من حجم المشكلات.

ولعلي أجزم أن تطبيق هذه التقنية هو محل اهتمام البنك المركزي، وأن ما يقيد ذلك ربما سن الأنظمة التي تحكم استخدامها، التي أتمنى أن يمتد نطاق الاهتمام بهذا الجانب من قبل البنك المركزي ليشمل أيضاً تنظيم السوق العقارية وتحويلها إلى سوق رقمية يتاح من خلالها تداول الأصول المالية العقارية في سوق ضخم بحجم تعاملاته وثراء معلوماته. فهل ينبئ المستقبل القريب عن رحيل الوسطاء العقاريين من السوق، وربما يمتد أيضاً ليشمل كتاب العدل والموثقين العقاريين؟

.