الحمد لله وحده ، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده .
إن السعادة – أيها الأفاضل – يسعى إليها كل الناس ، المؤمن والكافر ، والصغير والكبير ، والغني والفقير ، والصالحوالفاسق ، ولكنهم يختلفون في نظرتهم لها .
فمن الناس من يظن أن السعادة في كثرة الأموال ، ومن الناس من يظنها في تعدد الزوجات ، ومن الناس من يظنها فيالمناصب والسلطات ، ومنهم من يظنها في الحصول على الشهادات ، ومنهم من يظنها في لزوم المعاصي والسيئات ،فهل هي كذلك ؟!
هل السعادة محصورةٌ فقط في المأكل والمشرب ؟ والملبس والمسكن والمركب ؟ أم أنها أكبر و أعظمُ من ذلك بكثير ؟!
الحقيقةُ أن هذه الأشياء جزء من السعادة ، وليستِ السعادةَ كُلَها ؛ لأنها سعادةُ وقتية تزول بزوالها .
فصاحب المال قد يفقد ماله في أي وقت ، وصاحب المنصب قد يعزل من منصبه ، وصاحب الجاه قد يُذلُ في أي وقت ، وبهذا لا تكتملُسعادته .
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالمَرْكَبُ الهَنِيءُ ) .
السعادة – أيها الموفقون – شيء معنوي جميل يكون في القلب ، لا يباع ولا يشترى ، وإنما هو هبة من الله – سبحانه و تعالى – لمن يشاءُ منعباده .
أيها القراء المباركون : من ابتغى السعادة الحقيقةَ فعليه بأسبابها وهي :-
أولاً: الإيمان بالله والعملِ الصالح . قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال ابن عباس: الحياةُ الطيبة هي الحياةُ السعيدة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن في الدنيا لجنَّةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة» ويقول أحد السلف: «إنه لتمر بي أوقاتٌ أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب» ويقول أحدهم أيضا : «لو علم الملوكوأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف».
ولسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
ولَكِنَّ التَقِيَّ هُو السَّعيدُ
ثانيا : الإيمان بقضاء الله وقدره ، فإن الإنسان إذا آمن بالقضاء والقدر أحس براحة في نفسه ، وانشراح في صدره ، مع شدة ما أصابه منالمصائب .
يقول صلى الله عليه وسلم – في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما :((إِذَا سَأَلتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، واعْلم أنَ الأُمَةَ لواجْتَمعُوا على أن يَنْفَعُوكَ، لم يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قد كَتَبَه الله لكَ، ولو اجتمعوا على أن يضرُوكَ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتبَهُ الله عليكَ، رُفِعَتالأقلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ))
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسا بما حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
ثالثا: الإكثار من ذكر الله -عز وجل- فإن ذكر الله له شيء عجيب في انشراح الصدر ، ونعيم القلب . قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْبِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ويقول تعالى( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )
رابعا : القناعة بما أعطاك الله، فإن من قنعَ بما قسم الله – سبحانه -له وجد راحة في نفسه ، وطمأنينة في قلبه . يقول النبي – صلى الله عليهوسلم – : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَم، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» ويقول عليه الصلاة والسلام (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْهُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ) لاتنظر إلى من هو أكثرُ منك مالا ووالدا و أعلى منك منصبا أو جاها بل انظر الى من هو أقل منك حتى تطمئنَ نفسك .
أفادتنا القناعةُ أيَّ عزٍّ
ولا عزًّا أعزُ من القناعه
فخذْ منها لنفسِك رأسَ مالٍ
وصيِّر بعدَها التقوَى بضاعه
وهذا صلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .